الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } * { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ }

قوله تعالى: { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً... } الآية لما بين حال قدرته وعلمه وحكمته أتبعه ببيان أنه كيف يخص أنبياءه بوحيه وكلامه. وقوله: " أَنْ يُكَلمَهُ " " أن " ومنصوبها اسم كان و " لِبَشَرٍ " خبرها. وقال أبو البقاء: " أن " والفعل في موضع رفع على الابتداء وما قبله الخبر، أو فاعل بالجار لاعتماده على حرف النفي، وكأنه وهم في التلاوة فزعم أن القرآن: وما لبشر أن يكلمه مع أنه يمكن الجواب عنه بتكلُّفٍ.

و { إِلاَّ وَحْياً } يجوز أن يكون مصدراً أي إلا كلام وحي. وقال أبو البقاء: استثناء منقطع؛ لأن الوحي ليس من جنس الكلام. وفيه نظر؛ لأن ظاهره أنه مفرغ، والمفرغ لا يوصف بذلك. ويجوز أن يكون مصدراً في موضع الحال.

قوله: " أَوْ يُرْسِلَ " قرأ نافع: " أوْ يُرْسِلُ " برفع اللام، وكذلك: فيوحي فسكنت ياؤه. والباقون بنصبهما. فأما القراءة الأولى ففيها ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه رفع على إضمار مبتدأ أي: أو هو يرسل.

الثاني: أنه عطف على " وَحْياً " على أنه حال؛ لأن وحياً في تقدير الحال أيضاً فكأنه قال: إلا موحياً أو مرسلاً.

الثالث: أن يعطف على ما يتعلق به " مِنَ وَراءِ "؛ إذ تقديره أو يُسْمِعُ من وراء حجاب و " وَحْياً " في موضع الحال عطف عليه ذلك المقدر المعطوف عليه " أوْ يُرْسِل " ، والتقدير: إلاَّ موحياً أو مُسْمِعاً مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ مُرْسِلاً.

وأما الثانية ففيها ثلاثة أوجه:

أحدها: أن يعطف على المضمر الذي يتعلق به { مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } إذ تقديره: أو يُكَلِّمَهُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ. وهذا الفعل (المقدر) معطوف على " وَحْياً " ، والمعنى: إلا بوحي أو إسماعٍ من وراءِ حجابٍ أو إرسال رسولٍ.

ولا يجوز أن يعطف على " يُكَلِّمَهُ " لفساد المعنى؛ إذ يصير التقدير: ومَا كَانَ لِبَشَرٍ أن يُرْسِلَ اللهُ رَسُولاً، فيفسد لفظاً ومعنًى.

وقال مكي: لأنه يلزم منه نفي الرسل، ونفي المرسل إليهم.

الثاني: أن ينصب بأن مضمرة وتكون هي وما نصبته معطوفين على " وَحْياً " و " وَحْياً " ، فيكون هذا أيضاً حالاً، والتقدير: إلا موحياً أو مرسلاً.

وقال الزمخشري: " وَحْياً وأن يرسل " مصدران واقعان موقع الحال، لأن: أن يُرْسِلَ في معنى: إرسالاً و { مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } ظرف واقع موقع الحال أيضاً كقوله:وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ } [آل عمران:191] والتقدير: وما صح أن يكلم أحداً إلا موحياً أو مسمعاً من وراء حجاب أو مرسلاً.

ورد عليه أبو حيان بأن وقوع المصدر موقع الحال غير منقاس وإنما قاس منه المبرد ما كان نوعاً للفعل فيجيز أتيته ركضاً ويمنع: أتيته بكاءً أي باكياً.

السابقالتالي
2 3