الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } * { وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } * { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } * { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله تعالى: { فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [الشورى:36] الآية لما ذكر دلائل التوحيد أردفها بالتنفير عن الدنيا وتحقير شأنها؛ لأن المانع من قبول الدليل هو الرغبة في الدنيا، فقال: " وَمَا أوتِيتُمْ " " ما " شرطية، وهي في محل نصب مفعولاً ثانياً " لأوتِيتُمْ " والأول هو ضمير المخاطبين قام مقام الفاعل، وإنما قدم الثاني؛ لأن له صدر الكلام، وقوله: " مِنْ شَيْءٍ " بيان لما الشرطية لما فيها من الإيهام. وقوله " فَمَتَاعُ " الفاء جواب الشرط و " متاع " خبر مبتدأ مضمر أي فهو متاع، وقوله " وَمَا عِنْدَ اللَّهِ " " ما " موصولة مبتدأة, و " خَيْرٌ " خبرها، و " لِلَّذِينَ " يتعلق " بَأبْقَى ".

فصل

المعنى: وما أوتيتم من شيء من رياش الدنيا فمتاع الحياة الدنيا ليس من زاد المعاد، وسماه متاعاً تنبيهاً على قلته وحقارته وجعله من متاع الدنيا تنبيهاً على انقراضه، وأما الآخرة فإنها خير وأبقى والباقي خير من الخَسِيس الفاني.

ثم بين أن هذه الخيرية إنما تحصل لمن كان موصوفاً بصفات منها أن يكون من المؤمنين فقال { لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }. وهذا يدل على من زعم أن الطاعة توجب الثواب؛ لأنه متكل على عمل نفسه لا على الله فلا يدخل تحت الآية.

الصفة الثانية: قوله: " وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ " نسقٌ الى " الذين " الأولى. وقال أبو البقاء: " الذين يجتنبون " في موضع جر بدلاً من " الَّذِينَ آمَنُوا " ويجوز أن يكون في محل نصب بإضمار " أعْنِي " أو في موضع رفع على تقدير " هُمْ " وهذا وَهَمٌ منه في التلاوة كأنه اعتقد أن القرآن: وعلى ربهم يتوكلون الذين يجتنبون فبنى عليه الثَّلاثة الأوجه وهو بناء فاسد.

قوله: " كَبَائِرَ الإِثْمِ " قرأ الأخوان هنا وفي النجم: " كَبِيرَ الإِثْمِ " بالإفراد، والباقون كَبَائِرَ بالجمع في السورتين، والمفرد هنا في معنى الجمع والرسم الكريم يحتمل القراءتين.

فصل

تقدم معنى كبائر الإثم في سورة النساء. قال ابن الخطيب: نقل الزمخشري عن ابن عباس: أن كبير الإثم هو الشرك، وهو عندي ضعيف لأن شرط الإيمان مذكور وهو يغني عن عدم الشرك، وقيل: كبائر الإثم ما يتعلق بالبدع واستخراج الشبهات. وأما الفواحش فقال السدي: يعني الزنا. وقال مقاتل: ما يوجب الوحدَّ.

قوله: { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ } " إذا " منصوبة بيغفرون، و " يَغْفِرُونَ " خير لهم والجملة بأسرها عطف على الصلة وهي " يجتنبون " ، والتقدير: والذين يجتنبون وهم يغفرون عطف اسمية على فعلية.

السابقالتالي
2 3 4