الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ } * { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } * { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

قوله تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ... } الآية قد تقدم الكلام على دلالة خلق السموات والأرض والحيوانات على وجود الإله الحكيم.

فإن قيل: كيف يجوز إطلاق لفظ الدابَّة على الملائكة؟!.

فالجواب: فيه وجوه:

الأول: أنه قد يضاف الفعل إلى جماعة، وإن كان فاعله واحداً منهم كما يقال: " بَنُو فُلاَنٍ فَعَلُوا كََذَا " ، وإنما فعله واحدٌ منهم ومنه قوله:يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [الرحمن:22].

الثاني: أن الدابة عبارة عما فيه الروح والحركة، والملائكة لهم الروح والحركة.

الثالث: لا يبعد أن يقال: إنه تعالى خلق في السموات أنواعاً من الحيوانات يمشون مشي الأناس على الأرض. وروى العبَّاس ـ (رضي الله عنه) ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " فوق السماء السابعة بحر (بين) أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، ثم فوق ذلك ثمانية أوعالٍ بين رُكَبِهِنَّّ وأَظلاَفِهِنَّ كما بين السَّمَاءِ والأرْضِ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِك العَرْش... " الحديث.

قوله: " وَمَا بَثَّ " يجوز أن تكون مجرورة المحل عطفاً على " السموات " أو مرفوعته عطفاً على " خلق " ، على حذف مضاف أي وخلق ما بثَّ. قاله أبو حيان. وفيه نظر؛ لأنه يئول إلى جره بالإضافة " لِخَلق " المقدر فلا يعدل عنه.

قوله: " إذَا يَشَاءُ " " إذَا " منصوبة " بجَمْعِهِمْ " لا " بِقَدِيرٍ " ، قال أبو البقاء: لأن ذلك يؤدي إلى أن يصير المعنى: وهو على جمعهم قدير إذا يشاء، فتتعلق القدرة بالمشيئة وهو محال. قال شهاب الدين: وَلاَ أدري ما وجه كونه محالاً على مذهب أهل السنة، فإن كان يقول المعتزلة، وهو القدرة تتعلق بما لم يشأ الله مشى كلامه، ولكنه مذهب رديء لا يجوز اعتقاده. ونقول: يجوز تعلق الظرف به أيضاً. قال الزمخشري: " إذا " تدخل على المضارع كما تدخل على الماضي, قال تعالى:وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } [الليل:1] ومنه: " إذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ " ، والمقصود أنه تعالى خلقها لا لعجز ولا لمصلحة ولهذا قال: { وهو على جمعهم إذا يشاء قدير } ، يعني الجمع والحشر والمحاسبة.

فصل

احتج الجبَّائيُّ بقوله: إذا يشاء قدير على أن مشيئة الله تعالى محدثةٌ، قال: لأن كلمة " إذا " ظرف لما (لم) يستقبل من الزمان وكلمة " يَشَاءُ " صيغة المستقبل فلو كانت مشيئته تعالى قديمة لم يكن لتخصيصها بذلك الوقت المستقبل فائدة، ولما دل قوله: " إذَا يَشَاءُ " على التخصيص علمنا أن مشيئته تعالى محدثة.

وأجيب: بأن هاتين الكلمتين كما دخلتا على المشيئة فقد دخلتا أيضاً على لفظ " القَدِير " فلزم على هذا أن تكون قدرته صفة محدثة، ولما كان هذا باطلاً فكذا القول في المشيئة.

السابقالتالي
2 3