الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } * { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } * { وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } * { فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }

قوله تعالى: { فَاطِرُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }.

قوله تعالى: " فاطر " العامة على رفعه خبراً " لذلكم " ، أو نعتاً " لربي " على محض إضافته و " عليه توكلت " معترض على هذا، أو مبتدأ خبره " جعل لكم " أو خبر مبتدأ مضمر أي هو.

وقرأ زيد بن علي " فاطِر " بالجر، نعتاً للجلالة في قوله: " إلَى اللهِ " وما بينهما اعتراض أو بدل من الهاء في " عَلَيْهِ " أو " إلَيْهِ ".

وقال مكيُّ: وأجار الكسائي النصب على البدلِ، وقال غيره: على المدح ويجوز في الكلام الخفض على البدل من الهاء كأنه لم يطلع على أنها قراءة زيد بن علي.

قوله: { جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً } قيل: معناه: جعل لكم من أنفسكم أزواجاً أي مثل خلقكم، وأزواجاً أي حلائل، وقيل معنى من أنفسكم أي خلق حوّاء من ضِلع آدم، { وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً } أي أصنافاً ذكوراً وإناثاً.

قوله: { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } أي يكثركم. وقوله: " فيه " يجوز أن تكون " في " عَلَى بَابها، والمعنى يكثركم في هذا التدبير، وهو أن يجعل الناس والأنعام أزواجاً حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد. والضمير في " يذرأكم " للمخاطبين والأنعام، إلا أنه غلب فيه العقلاء من وجهين:

أحدهما: أن غلب فيه جانب العقلاء على غير العقلاء.

الثاني: أنه غلب جانب المخاطبين على الغائبين.

قال الزمخشري: وهي من الأحكام ذات العلَّتين. قال أبو حيان: وهو اصطلاح غريب يعني أن الخطاب يغلب على الغيبة إذا اجتمعا. ثم قال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى يذرأكم في هذا التدبير وهلا قيل: يذرأكم به؟ قلت: جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير، ألا تراك تقول للحيوان في خلق الأزواج تكثير، كما قال تعالى:وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَاةٌ } [البقرة:179]. وقيل: إنها للسببيّة كالباء أي يكثركم بسببه، والضمير يعود على الجعل أو للمخلوق.

وقيل: يذرأكم فيه أي يخلقكم في الرحم. وقيل: في البطن.

قوله: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } في هذه الآية أوجه:

أشهرها: أن الكاف زائدة في خبر ليس، و " شيء " اسمها، والتقدير: ليس شيءٌ مثله. قالوا: ولولا ادعاء زيادتها للزم أن يكون له مثل، وهو محال؛ إذ يصير التقدير على أصالة الكاف: ليس (مِثْلَ) مثله شيء فنفى المماثلة عن مثله، فثبت أن له مثلاً لا مثل لذلك المثل، وهذا محال تعالى الله عن ذلك.

وقال أبو البقاء: لو لم تكن زائدة، لأفضى ذلك إلى المحال؛ إذ كان (يكون) المعنى أن له مثلاً وليس لمثله مثل، وفي ذلك تناقض؛ لأنه إذا كان له مثل فلمثله مثل وهو هو، مع أن إثبات المثل لله تعالى محال.

السابقالتالي
2 3 4 5