الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } * { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } * { إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي قَالُوۤاْ آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ }

قوله: { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ } أي جعلنا هذا الكتاب الذي يقرؤه على الناس قرآناه أعجميًّا بغير لغة العرب { لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } أي هلا بينت آياته بالعربية حتى نفهمها.

قوله: " أَأَعْجَمِيٌّ " قرأ الأخوان وأبو بكر بتحقيق الهمزة، وهشام بإسقاط الأولى، والباقون: بتسهيل الثانية بَيْنَ بَيْنَ. وأما المدّ فقد عرف حكمه من قوله:أَأَنذَرْتَهُمْ } [البقرة:6] في أول الكتاب. فمن استفهم قال معناه أكتاب أعجمي ورسول عربي؟. وقيل: ومرسل إليه عربي؟ وقيل: معناه (أ) بعضه أعجمي وبعضه عربي؟ ومن لم يثبت همزة الاستفهام فيحتمل أنه حملها لفظاً وأرادها معنى، وفيه توافق القراءتين، إلا أن ذلك لاي يجوز عند الجمهور إلا إذا كان في الكلام " أم " نحو: بِسَبْعٍ رَمَيْنَ الجَمْرَ أَمْ بِثَمَانِ.

فإن لم يكن " أم " لم يجز إلا عند الأخفش. وتقدم ما فيه.

ويحتمل أن يكون جعله خبراً محضاً ويكون معناه: هلا فُصِّلت آياتُهُ فكان بعضها أعجمياً يفهم العجم وبعضه عربياً يفهمه العرب. والأعجمي من لا يفصح، وإن كان من العرب وهو منسوب إلى صفته، كأحمريّ، ودوّاريّ؛ فالياء فيه للمبالغة في الوصف وليس فيه حقيقياً. وقال الرازي في لوامحه: فهو كياء كُرْسيّ وبُختيّ.

وفرق أبو حيان بينهما فقال: ليست كياء كُرسيّ، فإنَّ ياء كرسيِّ وبختيّ بُنِيَت الكلمة عليها بخلاف ياء " أعْجَمِيٍّ " فإنهم يقولون: رجلٌ أعجم وأَعجميٌّ.

وقرأ عمرو بن ميمونٍ أعَجميّ بفتح العين ـ وهو منسوب إلى العجم ـ والياء فيه للنسب حقيقة، ويقال: رجلٌ عجميّ وإن كان فصحياً. وقد تقدم الفرق بينهما في سورة الشعراء. وفي رفع أعجمي ثلاثة أوجه:

أحدهما: أنه مبتدأ والخبر محذوف تقديره أعجمي وعربي يستويان.

والثاني: أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو أي القرآن أعجمي والمرسل به عربيٌّ.

والثالث: أنه فاعل فعل مضمر، أي أيستوي عجميٌّ وعربيٌّ. إذ لا يحذف الفعلُ إلا في مواضع تقدم بيانها.

فصل

قال المفسرون: هذا استفهام على وجه الإنكار، لأنهم كانوا يقولون: المُنزَّلُ عليه عربي، والمُنَزَّلُ أعجمي وذلك أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يدخل على يسار غلام عامر بن الحضرمي وكان يهوديًّا أعجمياً يكنى أبا فكيهة، فقال المشركون: إنما يعلمه يسار فضربه سيده وقال: إنك تعلِّمُ محمداً فقال يسار: هو يعلّمني، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال ابن الخطيب: نقلوا في نزول هذه الآية أن الكفار لأجل التعنت قالوا: هلا نزل القرآن بلغة العجم فنزلت هذه الآية. وعندي: أن أمثال هذه الكلمات فيها حذف عظيم على القرآن، لأن يقتضي ورود آيات لا تعلق للبعض فيها بالبعض، وأنه يوجب أعظم أنواع الطعن فكيف يتم مع التزام مثل هذه الطعن ادعاه كونه كتاباً منتظماً؟! فضلاً عن ادِّعاء كونه معجزاً؛ بل الحق عندي أن هذه السورة من أولها إلى آخرها كلام واحد على ما حكى الله عنهم من قولهم { قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذننا وقر } وهذا الكلام متعلق به أيضاً وجواب له والتقدير: إنا لو أنزلنا هذا القرآن بلغة العجم لكان لهم أن يقولوا: كيف أرسلت الكلام العجمي إلى القوم العرب؟ ويصح لهم أن يقولوا: قلوبنا في أكنة من هذا الكلام، وفي آذاننا وقر منه لأنا لا نفهمه ولا نحيط بمعناه.

السابقالتالي
2 3 4 5