الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ } * { وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } * { نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ }

قوله تعالى: " ذَلِكَ " فيه وجهان:

أحدهما: أنه مبتداً و " جزاء " خبره.

والثاني: أنه خبر مبتدأ محذوف أي: الأمر ذلك و { جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُ } جملة مستقلة مبينةٌ للجملة قبلها.

(قوله): " النار " فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنها بدل من " جزاء " وفيه نظر؛ إذ البدل يحل محلّ المبدل منه فيصير التقدير ذلك النار.

الثاني: أنه خبر مبتدأ مضمر.

الثالث: أنه مبتدأ و { لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } الخبر، و " دَارُ " يجوز ارتفاعها بالفاعليَّة أو الابتداء.

وقوله: { فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } يقتضي أن يكون " دار الخلد " غير النار، وليس كذلك بل النار هي نفس دار الخلد. وأجيب عن ذلك: بأنه قد يجعل الشيء ظرفاً لنفسه باعتبار متعلَّقه على سبيل المبالغة، لأن ذلك المتعلق صار مستقراً له، وهو أبلغ من نسبة المتعلق إليه على سبيل الإخبار به عنه. ومثله قول الآخر:
4365ـ...........................   وَفيِ اللهِ إنْ لَمْ تُنْصِفُوا حَكَمٌ عَدْلُ
وقوله تعالى:لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [الأحزاب:21] والرسول هو نفس الأسوة. كذا أجابوا. وفيه نظر؛ إذ الظاهر وهو معنى صحيح منقول أن في النار داراً تسمى دار الخلد، والنار محيطة بها.

قوله: " جزاء " في نصبه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه منصوب بفعل مقدر، وهو مصدر مؤكد، أي يجزون جزاءً.

الثاني: أن يكون منصوباً بالمصدر الذي قبله، وهو جزاء أعداء الله. والمصدر ينصب بمثله كقولهفَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً } [الإسراء:63].

الثالث: أن ينتصب على أنه مصدر واقع موقع الحال و " بِمَا " متعلق " بجزاء " الثاني إن لم يكن مؤكداً وبالأول إن كان (مؤكداً) و " بِآيَاتِنَا " متعلق بيجحدون.

فصل

لما قال:وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [فصلت:27] بين أن ذلك الأسوأ الذي جعل جزاء أعداء الله هو النار، ثم قال: { لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } ، أي لهم في جملة النار دارٌ معينة، وهي دار العذاب الخلد، { جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون } أي يبلغون في القراءة، وسماه جحداً؛ لأنهم لما علموا أن القرآن بالغ إلى حد الإعجاز خافوا من أنه لو سمعه الناس لآمنوا به فاستخرجوا (تلك) الطريقة الفاسدة وذلك يدل على أنهم علموا كونه معجزاً وأنهم جحدوا حسداً.

قال الزمخشري: " أي بما كانوا يلغون، فذكر الجحود؛ لأنه سبب اللَّغو " انتهى.

يعني أنه من باب إقامة السبب مقام المسبَّب، وهو مجاز سائغٌ.

قوله: { وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا.... } الآية تقدم الخلاف في " أَرِنَا " وفي نون اللَّذين وقال الخليل: إذا قلت: أرني ثوبك فمعناه بصِّرنيهِ، وبالسكون أعطنيه.

فصل

لما بين أن الذي حملهم على الكفر الموجب للعقاب الشديد مجالسة قرناء السوء بيَّن أن الكفار (عند الوقوع في العذاب الشديد) في النار يقولون: { رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ } ومعناه أن الشيطان على نوعين جنٍّي وإنْسِيٍّ.

السابقالتالي
2 3