الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } * { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } * { فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } أي سكن لهم، يعني إن أمسكوا عن الاستغاثة لفرجٍ ينتظرونه لم يجدوا ذلك وتكون النار مثوى لهم أي مقاماً لهم.

قوله: { وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } العامة على فتح الياء من " يَسْتَعْتِبُوا " وكسر التاء الثانية مبنياً للفاعل { فما هم من المعتبين } بكسر التاء اسم الفاعل ومعناه وإن طلبوا العُتْبَى وهي الرضا فما هم ممن يعطاها. والمعتب الذي قبل عتابه وأجيب إلى ما سأل، يقال: أعتبني فلانٌ، أي أرضاني بعد إسخاطه إيَّاي، واستعتبته طلبت منه أن يعتب أي يرضى. وقيل: المعنى وإن طلبوا زوال ما يعتبون فيه فماهم من المجابين إلى إزالة العتب. وأصل العتب المكان النَّائي بنازله، ومنه قيل لأسكفَّة الباب والمرقاة: عتبة، ويعبر بالعتب عن الغلظة التي يجدها الإنسان في صدره على صاحبه، وعتبت فلاناً أبرزت له الغلظة، وأعتبته أزلت عتباه كأشكيته وقيل: حملته على العتب.

وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد: وإن يُستعتبوا مبنياً للمفعول فما هم من المُعْتِبِينَ اسم فاعل بمعنى إن يطلب منهم أن يرضوا فما هم فاعلون ذلك، لأنهم فارقوا دار التكليف، وقيل: معناه أن يطلب ما لا يعتبون عليه فما هم ممَّن يريد العُتْبَى وقال أبو ذؤيب:
4363ـ أَمِنَ المَنُونِ وَرَيْبِهِ تَتَوَجَّعُ     والدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ
قوله: " وَقَيَّضْنَا لَهُمْ " بعثنا لهم ووكلنا، وقال مقاتل: هَيَّأْنَاهُ. وقال الزجاج: سينالهم وأصل التقييض التيسير والتهيئة، قيضته للداء هيأته له ويسّرته، وهذان ثوبان قيِّضان أي كل منهما مكافىء للآخرة في الثمن. والمقايضة المعارضة، وقولهنُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً } [الزخرف:36] أي نسهل ونيسر ليستولي عليه استيلاء القَيْض على البَيْض.

والقيض في الأصل قشر البيض الأعلى. قال الجوهري: ويقال: قايضت الرجل مقايضة أي عاوضته بمتاع، وهما قيضان كما يقال: بيعان. وقيَّض الله فلاناً لفلان أي جاء به ومنه قوله تعالى: { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ } والمراد بالقرناء النظراء من الشياطين حتى أضلونهم { فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } من أمر الدنيا حتى أثروه على الآخر " وَمَا خَلْفَهُمْ " من أمر الآخرة فدعوهم إلى التكذيب وإنكار البعث.

وقال الزجاج: زينوا (لهم ما بين أيديهم من أمر الآخرة أنَّه لا بعث ولا جنة ولا نار، وما خلفهم من أمر الدنيا وأن الدنيا قديمة، ولا صانع إلا الطبائع والأفلاك. وقيل: ما بين أيديهم أعمالهم التي يعملونها وما خلفهم ما يعزمون أن يعملوه.

وقال ابن زيد: مابين أيديهم ما مضى من أعمالهم الخبيثة (وما بقي من أعمالهم الخسيسة)).

فصل

دلت هذه الآية على أنه تعالى يريد الكفر من الكافر؛ لأنه تعالى قيَّض لهم قرناء فزينوا لهم الباطل، وهذا يدل على أنه تعالى أراد منهم الكفر.

السابقالتالي
2