الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } * { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ } * { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ }

قوله: { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } الصَّرصرُ: الريح الشديدة، فقيل: هي الباردة من الصَّرِّ وهو البرد، وقيل: هي الشديدة السُّمُوم، وقيل: المُصوِّتةُ من صرَّ البابُ أي سُمِعَ صريرُهُ. والصَّرَّةُ: الصَّيحة ومنه:فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ } [الذاريات:29] قال ابن قتيبة " صَرْصَرٌ " يجوز أن يكون الصَّرِّ وهو البرد، وأن يكون من صرَّ البابُ، وأن يكون من الصََّرَّة ومنه:فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ } [الذاريات:29].

قوال الراغب: صَرْصرٌ لفظه من الصّر وذلك يرجع إلى الشد لما في البرودة من التعقيد.

قوله: في أيَّام نحساتٍ قرأ الكوفيون وابنُ عامر بكسر الحاء والباقون بسكونها.

فأما الكسر فهو صفة على " فَعِلٍ " وفعلُهُ: " فَعِلَ " بكسر العين أيضاً كفِعْلِهِ؛ يقال: نَحِسَ فهو نَحِسٌ، كَفَرِحَ، فهُو فَرِحٌ، وأَشِرَ فهو أَشِرٌ، ومعناه نكدات مَشْئُوماتٌ ذاتُ نُحُوسٍ.

وأمال اللَّيثُ عن الكسائيِّ ألفه لأجل الكسرة، ولكنه غير مشهور عنه حتى نسبه الدَّانيُّ للوهم وأما قراءة الإسكان فتحتمل ثلاثة أوجهٍ:

أحدها: أن يكون مخفف من " فَعِل " في القراءة المتقدمة وفيه توافق القراءتين.

الثاني: أنه مصدر وصف به كرجُلٍ عَدْلٍ، إلا أنَّ هذا يضعفه الجمعُ، فإن الفصيحَ في المصدر الموصوف (به) أن يوحَّد وكأنَّ المُسوِّغَ للجمع اختلافُ أنواعه في الأصل.

الثالث: أنه صفة مستقلة على " فَعْل " بسكون العين ولكن أهل التصريف لم يذكروا في الصفة الجائية من " فَعِل " بكسر العين إلا أوزاناً محصورة ليس فيه " فَعْل " بالسكون فذكروا: فَرِحَ فهو فَرِحٌ وحور فهو أحْوَرُ، وشَبع فهو شَبْعَانُ، وسَلِمَ فهو سَالِمٌ، وبلي فَهُو بالٍ. وفي معنى " نحسات " قولان:

أحدهما: أنها من الشّؤم، قال السدي أي مشائيم من النحس المعروف.

والثاني: أنها من شدة البرد وأنشدوا على الأول قولَ الشاعر:
4360ـ يَوْمَيْنِ غَيْمَيْنِ وَيَوْماً نَحْسَا   نَجْمَيْنِ سَعْدَيْنِ وَنَجْماً نَحْسَا
وعلى المعنى الثاني:
4361ـ كَأَنَّ سُلاَفَةً عُرِضَتْ لِنَحْسٍ     يُحِيلُ شَفِيفُهَا المَاءَ الزًُّلاَلاَ
ومنه:
4362ـ قَدْ أَغْتَدِي قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ     للصَّيْدِ فِي يَوْمِ قَلِيلِ النَّحْسِ
وقيل: يريدُ به في هذا البيت الغبار، أي قليل الغبار. وقد قيل بذلك في الآية إنها ذات غبار. و " نَحِسَات " نعت لأيَّام، والجمع بالألف والتاء مُطَّرِدٌ في صفة ما لا يعقل كأيَّام معدوداتٍ كما تقدم تحقيقه في البقرة (اللَّهُمَّ يَسِّرْ).

فصل

الصَّرْصَر: العاصفة التي تُصَرْصِرُ في هُبُوبِهَا. روي عن عبد الله بن عَبَّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: الرِّياح ثمانٍ، اربعٌ منها عذاب وهي العاصف، والصرصر، والعقيم، والعاصفة، وأربع منها رحمة، وهي: الناشرات، والمُبَشِّرات، والمُرْسَلاَت، والذَّاريات. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الله تعالى ما أرسل على عباده من الريح إلا قدر خَاتَمِي. وقال الضحاك: أمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين، وتوالت الرياح عليهم من غير مَطَرٍ.

السابقالتالي
2 3