الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ وَٱسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ } * { ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } * { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } * { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } * { فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }

قوله تعالى: { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ } قرأ ابنُ وثابٍ والأعمش: " قَالَ " فعلاً ماضياً خبراً عن الرسول. والرسم يحتملهُما. وقد تقدم مثل هذا في الأنبياء وآخر المؤمنين. وقرأ الأعمشُ والنَّخعيُّ يوحي بكسر الحاء؛ أي الله تعالى، والمعنى إنَّما أنا بشر مثلكم أي كواحد منكم لولا الوحيُ ما دعوتكم { أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } قال الحسن ـ رضي الله عنه ـ عَلَّمَهُ الله التواضع.

قوله: { فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ } عُدِّي بإلى؛ لتضمنه معنى توجَّهُوا والمعنى وجِّهُوا استقامتكم إليه بالطاعة ولا تَمِيلوا عن سبيله " واستغفروه " من ذنوبكم.

قوله: { وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: الذي لا يقولون لا إله إلا الله، وهي زكاة الأنفس. والمعنى لا يُطَهِّرون أنفسهم من الشِّرك بالتوحيد، وهو مأخوذ من قوله: " وَنَفْسٍ ومَا زَكَّاهَا ". وقال الحسن وقتادة: لا يقرِّون بالزكاة ولا يرون إيتاءَها واجباً. وكان يقال: الزكاة قَنْطَرَةُ الإسلام، فمن قطعها نجا، ومن تخلف عنها هلك. وقال الضحاك ومقاتل: لا يُنفِقُون في الطاعة ولا يتصدقون، وقال مجاهد: لا يزكون أعمالهم { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ }.

فصل

احتج من قال: إن الكفار مخاطبُون بفروع الإسلام بهذه الآية، فقالوا: إنه تعالى توعدهم بأمرين:

أحدهما: كونهم مشركين.

والثاني: لا يؤتون الزكاة، فوجب أن يكون لكل واحد من هذين تأثير عظيم في حق وصول الوعيد، وذلك يدل على أن لعدم ايتاء الزكاة من المشرك تأثير عظيم في زيادة الوعيد وهو المطلوب.

فصل

احتج بعضهم على أن مانع الزكاة كافر بهذه الآية فقال: إن الله تعالى لما ذكر هذه الصفة ذكر قبلها ما يوجب الكفر وهو قوله: " وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ " وذكر بعدها ما يوجب الكفر وهو قوله: { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } فلو لم يكن منع الزكاة كفراً لكان ذكره فيما بين الصفتين الموجبتين للكفر قبيحاً؛ لأن الكلام إنما يكون فصيحاً إذا كانت المناسبة مرعيةً بين أجزائه، ثم أكدوا ذلك بأن أبا بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ حكم بكفر مانعي الزكاة. قال ابن الخطيب: والجواب أنه ثبت بالدليل أن الإيمان عبارة عن التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، وهما حاصلان عند عدم إيتاء الزكاة، فلم يلزم حُصُول الكفر بسبب عدم إيتاء الزكاة والله أعلم.

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ غير مقطوع، من قولك: مننتُ الحبلَ أي قطعتُهُ، ومنه قولهم: " قَد مَنَّهُ السَّفرَ " أي قطعه وأنشدوا:
4352 ـ فَضْلَ الجَوَادِ على الخَيْلِ البِطَاءِ فَلاَ     يُعْطِي بذلك مَمْنُوناً وَلاَ نَزِقَا
وقال مقاتل: غير منقوص، ومنه المنون لأنه ينقص منة الإنسان وقوته، وأنشدوا لذي الإصبع العُدواني:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9