الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ } * { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَابِ وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } * { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ } * { فِي ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } * { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ } * { مِن دُونِ ٱللَّهِ قَـالُواْ ضَـلُّواْ عَنَّا بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَافِرِينَ } * { ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } * { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ... } الآيات. اعلم أنه تعالى عادَ إلى ذَمِّ الذين يجادلون في آيات الله، أي في إنكار آيات الله ودفعها والتكذيب بها، فعَجَّبَ تعالى منهم بقوله: { أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ }؟ كيف صُرِفُوا عن دين الحق وهذا كما يقول الرجل لمن لا يسمع نصحه: إلى أين يُذْهَبُ بك؟! تعجباً من غفلته.

قوله: " الذين كذبوا " ، يجوز فيه أوجه، أن يكون بدلاً من الموصول قبله، أو بياناً له أو نعتاً أو خبر مبتدأ محذوف، أو منصوباً على الذم، وعلى هذه الأوجه، فقوله: { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } جملة مستأنفة، سيقت للتهديد.

ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر الجملة من قوله: { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } ودخول الفاء فيه واضح.

فصل

المعنى هم الذين كذبوا بالكتاب أي بالقرآن وبما أرسلنا به رسلنا من سائر الكتب؛ قيل: هم المشركون. وعن محمد بن سِيرِين وجماعة: أنها نزلت في القَدَرِيَّة.

قوله: { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ } فيه سؤال، هو أن " سوفَ " للاستقبال، و " إِذْ " للماضي، فقوله: { فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم } مثل قولك: سَوْفَ أَصُومُ أَمْسِ، والجواب: جوزوا في " إذ " هذه أن تكون بمعنى " إذا "؛ لأن العامل فيها محقق الاستقبال وهو فسوف يعلمون.

قالوا: وكما تقع " إذَا " موضع إِذْ في قوله تعالى:وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا } [الجمعة:11] كذلك تقع إِذْ مَوْقِعَهَا.

وقد مضى نَحْوٌ من هذا في البقرة عند قوله تعالى:وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ } [البقرة:165] قالوا: والذي حسن هذا تيقن وقوع الفعل، فأخرج في صورة الماضي.

قال شهاب الدين: ولا حاجة إلى إخْراج " إِذْ " عن موضوعها؛ بل هي باقية على دَلاَلتِهَا على المعنى، وهي منصوبة بقوله: { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } نصب المفعول به، أي فسوف يعلمون يوم القيامة وقت الأغلال في أعناقهم أيْ وقتَ سببِ الأغلال، وهي المعاصي التي كانوا يفعلونها في الدنيا، كأنه قيل: سيعرفون وقت معاصيهم التي تَجْعَلُ الأغلال في أعناقهم وهو وجه واضح غاية ما فيه التصرفُ في إذ يجعلها. وهو وجه واضح غاية في ما فيه التصرف في إذ يجعلها مفعولاً بها. ولا يضر ذلك، فإن المعربين غالب أوقاتهم يقولون: منصوب " باذْكُرْ " مُقَدَّراً، أو لا يكون حينئذ إلا مفعولاً به لاستحالة عمل المستقبل في الزمن الماضي.

وجوز أن يكون منصوباً باذْكُرْ مقدراً، أي اذكر لهم وَقْتَ الإِغلال؛ ليخالفوا ويَنْزَجِرُوا، فهذه ثلاثة أوجه خيرها أوسطها.

قوله: " والسَّلاَسِلُ " العامة على رفعها، وفيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه معطوف على الأغْلاَلِ. وأخبر عن النوعين بالجار، فالجال في نية التأخير والتقدير: إذ الأَغْلاَلُ والسَّلاَسِلُ في أعنقاهم.

السابقالتالي
2 3