الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ } * { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } * { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } * { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } * { ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ } ليدل على كمال قدرته وحكمته وأنه لا يجوز جعل هذه الأحجار المنحوتة والخشب المصور شركاء لله تعالى في المعبودية، ثم قال { وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً } يعني المطر الذي هو سبب الأرزاق. وقرأ ابن كثير وأبو عمرٍ " ينزل " خفيفة والباقون بالتشديد.

واعلم أن أهم المُهّمات رعايةُ مصالح الأديان ومصالح الأبدان، فالله تعالى يراعي مصالح أديان العباد بإظهار البَيِّنات والآيات وراعى مصالح العباد بأبدانهم بإنزال الرزق من السماء فموقع الآيات من الأديان كموقع الأرزاق من الأبدان وعند حصولها يحصل الإنعام الكامل.

ثم قال: { وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ } أي ما يتعظ بهذه الآيات إلا من يرجع إلى الله في جميع أموره فيعرض عن غير الله ويقبل الكليّة على الله تعالى ولهذا قال { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } عن الشرك وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ.

قوله تعالى: " رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ " فيه وجهان:

أحدهما: أن يكون مبتدأ والخبر " ذو العرش " و " يُلْقِي الروح " يجوز أن يكون خبراً ثانياً، وأن يكون حالاً، ويجوز أن يكونَ الثلاثة أخباراً لمبتدأ محذوف، ويجوز أن يكون الثلاثة أخباراً لقوله { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ } قال الزمخشري: ثلاثة أخبار يجوز أن تكون مترتبة على قوله { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ } أو أخبار مبتدأ محذوف وهي مختلفة تعريفاً وتنكيراً، قال شهاب الدِّين: أما الأول ففيه طول الفصل وتعدد الأخبار، وليست في معنى خبر واحد، (وأما الثاني ففيه تعدد الأخبار وليس في معنى واحد) وهي مسألة خلاف ولا يجوز أن يكون " ذُو العَرْشِ " صفة " لِرَفيعِ الدرجات " إن جعلناه صفة مشبهة، أما إذا جعلناه مثال مبالغة أي يرفع درجات المؤمنين فيجوز ذلك على أن يجعل إضافته محضة، وكذلك عند من يُجَوِّزُ تَمَحُّضَ إضافة الصفة المشبهة أيضاً. وقد تقدم، وقرىء " رَفِيعَ " بالنصب على المدح.

فصل

لما ذكر من صفات كبريائه كونه مظهراً للآيات منزلاً للأرزاق ذكر في هذه الآية ثلاثة أخرى من صفات الجلال والعظمة وهو قوله رفيع الدرجات وهذا يحتمل أن يكون المراد منه الرافع وأن يكون المراد منه المرتفع، فإن حملناهُ على الأول ففيه وجوه:

الأول: أن الله يرفع درجات الأنبياء والأولياء في الجنة.

والثاني: يرفع درجات الخلق في العلوم والأخلاق الفاضلة فجعل لكل أحد من الملائكة درجةً معيّنة كما قال:وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } الصافات:164]، وجعل لكل أحد من العلماء درجة معينة فقال تعالى:يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة:11] وعين لكل جسم درجةً معينة فجعل بعضها سُفْليّة كدرة، وبعضها فلكية كوكبية، وبعضها من جواهر العرش والكرسي، وأيضاً جعل لكل واحد مرتبة معينة في الخَلْقِ والخُلُقِ والرزق والأجل فقال:

السابقالتالي
2 3 4