الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } * { فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً }

لما ذَكَر - [تعالى] - ثواب من أقْدَم على الجِهَاد، أتْبَعَه بِعِقَاب من قَعَدَ عَنْهُ ورضي بالسُّكُون في دَارِ الحَرْبِ.

قوله: " توفَّاهم " يجوز أن يكون مَاضِِياً، وإنما لم تَلْحَق علامة التَّأنيث للفعل؛ لأن التأنيث مَجَازِيّ؛ ويدلُّ على كونه فعلاً مَاضِياً قِرَاءَةُ " تَوَفتهُم " بتاء التأنيث.

قال الفرَّاء: ويكون مثل قوله:إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا } [البقرة: 70] فيكون إخْبَاراً عن حَالِ أقْوَام معيَّنين، انْقَرَضُوا ومضوا ويجوز أن يَكُون مُضَارعاً حُذِفَتْ إحدى التَّاءَيْن تَخفيفاً مِنْه، والأصل: تتوَفَّاهُم، وعلى هذا تكُون الآيةُ عامَّة في حقِّ كلِّ من كان بهذه الصِّفَة.

و " ظَالِمي " حالٌ من ضَمِير " تَوَفَّاهُم " ، والإضافة غير محضة؛ إذ الأصْل: ظَالِمين أنفُسِهم؛ لأنه وإن أُضِيف إلى المَعرِفَةِ، إلا أنه نَكِرةٌ في الحَقِيقة؛ لأن المَعْنَى على الانْفِصَال؛ كأنه قيل: الظَّالِمِين أنْفُسهم، إلا أنَّهم لما حَذَفُوا [النُّون] طلباً للخِفة، واسْم الفَاعِل سواء أُرِيد به الحَالُ أو الاستِقْبَال، فقد يكُون مفصُولاً في المَعْنَى وإن كان مَوْصُولاً في اللَّفْظِ؛ فهو كقوله - تعالى -:هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } [الأحقاف: 24]، وهَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ } [المائدة: 95]،ثَانِيَ عِطْفِهِ } [الحج: 9] والتقدير: مُمْطِر لَنَا وبَالِغاً للكَعْبَةِ وثانِياً عِطْفه، والإضافة في هَذِهِ المَوَاضع لَفْظِيَّة لا مَعْنَوِيَّة.

وفي خبر " إنَّ " هذه ثلاثة أوْجُه:

أحدها: أنه مَحْذُوفٌ، تقديُره: إنَّ الذين توفَّاهُم الملائكةُ هَلَكُوا، ويكون قوله: " قالوا: فيم كنتم " مبيِّناً لتلك الجُمْلَةِ المَحْذُوفة.

الثاني: أنه { فأولئك مأواهم جهنم } ودخلت الفَاءُ زائدة في الخَبَر؛ تشبيهاً للموصُول باسم الشَّرْط، ولم تمنع " إنَّ " من ذَلِك، والأخْفَش يَمْنَعُه، وعلى هذا فَيَكُون قوله: " قالوا: فيم كنتم " إمَّا صفةً لـ " ظَالِمِي " ، أو حالاً للملائكة، و " قد " مَعَه مقدَّرَةٌ عند مَنْ يشتَرِط ذلك، وعلى القول بالصِّفَة، فالعَائِد محذوف، أي: ظالمين أنْفُسَهم قَائِلاً لهم المَلاَئِكَة.

والثالث: أنه { قالوا فيم كنتم } ، ولا بد من تَقْدِيرِ العَائِد أيْضاً، أي: قالوا لَهُم كذا، و " فيم " خَبَرَ " كُنْتُم " ، وهي " ما " الاستِفْهَامِيَّة حُذِفَت ألِفُها حين جُرَّتْ، وقد تقدَّم تَحْقِيق ذلك عند قوله:فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ } [البقرة: 91]، والجُمْلَة من قوله: " فيم كنتم " في مَحَلِّ نَصْبٍ بالقَوْلِ، و " في الأرض " متعلقٌ بـ " مُسْتَضْعَفِين " ، ولا يجوز أن يكُون " في الأرْضِ " هو الخَبَر، و " مُسْتَضْعَفِين " حالاً، كما يَجُوز ذلك في نَحْو: " كان زيدٌ قائَماً في الدَّارِ " لعدمِ الفَائدة في هذا الخَبَر.

فصل في معنى التَّوَفِّي

في هذا التَّوفِّي قولان:

الأول: قول الجُمْهُور، معناه تُقْبَض أرْوَاحهم عند الموْتِ.

فإن قيل: كيف الجَمْع بَيْنَه وبين قوله - تعالى -:

السابقالتالي
2 3 4 5