الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً }

قرأ الجمهور بسكون اللاَّم في الأفعال الثَّلاَثَةِ وهي لام الأمر، والفعل بعدها مجزومٌ بها، وقرأ الحَسَنُ وعيسى بْنُ عُمَرَ بكسر اللامِ في الأفْعَالِ الثَّلاثة وهو الأصل، والإسكان تخفيفٌ إجراءً للمنفصل مُجْرى المتصل، فإنهم شَبَّهوا " وليخش " بـ " كَيف " وهذا ما تَقَدَّمَ الكلام في نحو: " وهْيَ " و " لَهْي " في أول البقرة.

قال القرطبي: حذفت الأولف من { وَلْيَخْشَ } للجزم بالأمر، ولا يجوز عند سِيبَويْه إضمار لام الأمر قياساً على حروف الجرّ إلاّ ضرورة شعر، وأجاز الكوفيون حذف اللام مع الجزم.

وأنشدوا: [الوافر]
1759- مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ   إذَا مَا خِفْتَ مِنْ شَيءٍ تَبَالاَ
أراد لتفد وهو مفعل " يخشى " محذوف لدلالة الكلام عليه، و " لو " هذه فيها احتمالان:

أحدهما: أنَّهَا على بابها من كونها حرفاً لما كان سيقع لوقوع غيره أو حرف امتناع لامتناع على اختلاف العبارتين.

والثَّانِي: أنَّهَا بمعنى " إن " الشَّرطية وإلى الاحتمال الأوَّل ذهب ابْنُ عطيّة والزَّمخشري.

قال الزَّمخشريُّ: فإن قلت ما معنى وقوع { لَوْ تَرَكُواْ } وجوابه صلة لـ " الذين " قلت: معناه: وليخش الَّذِينَ صفتهم وحالهم أنَّهُمْ لو شارفوا أن يتركوا خَلْفَهُمْ ذريّة ضِعافاً، وذلك عند احتضارهم خَافُوا عليهم الضياع بعدهم لذهاب كافلهم وكاسبهم كما قال القائل: [الوافر]
1760- لَقَدْ زَادَ الحَيَاةَ إليَّ حُبّاً   بَنَاتِي إنَّهُنَّ مِنَ الضِّعَافِ
أُحَاذِرُ أنْ يَرَيْنَ البُؤسَ بَعْدِي   وَأنْ يَشْرَبْنَ رَنْقاً بَعْدَ صَافِي
وقال ابن عطية تقديره: لو تركوا لخَافُوا، ويجوزُ حذف اللام من جواب " لو " ووجه التمسك بهذه العبارة أنَّهُ جعل اللامَ مقدَّرَةً في جوابها، ولو كانت " لَوْ " بمعنى " إن " الشَّرطيّة لما جاز ذلك، وقد صَرَّح غيرهما بذلك فقال: { لَوْ تَرَكُواْ } " لَوْ " يمتنع بها الشَّيء لامتناع غيره، و " خَافُوا " جوابُ " لَوْ ".

وإلى الاحتمال الثَّانِي ذهب أبو البقاءِ وابنُ مَالِكٍ، قال ابْنُ مَالِكٍ: " لو " هنا شرطية بمعنى " إنْ " فتقلب الماضي إلى معنى الاستقبال، والتَّقدير: وليخش الذين إنْ تركوا ولو وقع بعد " لو " هذه مضارع كان مستقبلاً كما يكونُ بَعْدَ " إنْ " وأنشد: [الكامل]
1761- لاَ يُلْفِكَ الرَّاجُوكَ إلاَّ مُظْهِراً   خُلُقَ الكِرَام وَلَوْ تَكُونُ عَدِيمَا
أي: وإنْ تكن عديماً، ومثلُ هذا البيت قول الآخر: [البسيط]
1762- قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا شَدُّوا مَآزِرَهُمْ   دُونَ النِّسَاءِ وَلَوْ بَاتَتْ بأطْهَارِ
والَّذي ينبغي أن تكون على بابها كونها تعليقاً في الماضي، وَإِنَّمَا حمل ابْنُ مالك، وَأبَا البقاء على جَعْلِها بمعنى " إنْ " توهُّمُ أنَّه لَمَّا أمر بالخشيةِ - والأمرُ مستقبل ومتعلِّقُ الأمر موصول لم يصحّ أن تكون الصِّلةُ ماضية على تقدير دلالته على العدم الذي ينافي امتثالَ الأمر، وحَسَّنَ مكانَ " لو " لفظ " إنْ " ولأجل هذا التوهُّم لم يُدْخل الزمخشري " لَوْ " على فعل مستقبل، بل أتى بفعل ماضٍ مسندٍ للموصول حالةَ الأمر فقال: " وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا ".

السابقالتالي
2 3