وجه النَّظْمِ أنه - تعالى - يقول: من سَلَّم عليْكُم وحيَّاكُم، فاقبلوا سَلامَهُ وأكْرِمُوه وعامِلُوه بناءً على الظَّاهِر، وأما البَوَاطِن فلا يعْلَمُها إلا اللَّهُ الذي لا إله إلا هُو، وإنما تَنْكَشِفُ بواطن الخَلْقِ في يَوْم القِيَامَة. قوله: " ليجمعنكم " جواب قَسَم مَحْذُوف. [قال القُرْطُبِيُّ: اللامُ في قوله: " ليجمعنكم " ] لام قَسَم، نزلت في الَّذِين شَكُّوا في البَعْثِ، فأقْسَمَ الله - تعالى - بنفسه، وكلُّ لامٍ بعدها نُونٌ مشَدَّدَةٌ فهي لامُ القَسَم وفي جملةِ هذا القَسَمِ مع جوابه ثلاثةُ أوجهٍ: أحدُها: أنها قي مَحَل رفعٍ خَبَراً ثانياً لقوله: " الله " ، و " لا إله إلا هو ": جُمْلَةُ خَبَر أوّل. والثاني: أنها خَبَر لقوله: " الله " أيضاً، و " لا إله إلا هو ": جملة اعتراضٍ بين المُبْتَدأ وخبره. والثالث: أنها مُسْتَأنَفةٌ لا محلَّ لها من الإعْرَاب، وقد تقدم إعْرَاب{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [البقرة: 255] و{ لاَ رَيْبَ فِيهِ } [البقرة: 2] في البقرة. قوله: { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } فيه ثلاثةُ أوجه: أحدُها: أنها على بابها من انتهَاءِ الغَايَة، قال أبو حيان: ويكونُ الجَمْعُ في القُبُور، أو تُضمِّن " ليجمعنكم " معنى " ليحشركم " فيُعَدَّى بـ " إلى " ، يعني: أنه إذا ضُمِّن الجَمْعُ معنى الحَشْر لم يَحْتج إلى تقدير مَجْمُوع فيه. وقال أبو البقاءِ - بعد أن جوَّز فيها أنْ تَكُون بمَعْنَى " في " -: " وقيل: هي على بابها، أي: ليجْمَعَنَّكم في القُبُور؛ فعلى هذا يَجُوز أن يكُون مَفْعُولاً به، ويجُوز أن يكونَ حَالاً، أي: ليجمَعَنَّكم مُفْضين إلى حِسَاب يوم القيامة " يريد بقوله " مفعولاً به ": أنه فَضْلَةٌ كَسَائِر الفضلات، نحو: " سرتُ إلى الكُوفَةِ " ولكن لا يَصِحُّ ذلك إلا بأنْ يُضَمَّنَ الجمعُ مَعْنَى الحَشْرِ كما تقدَّم، وأمَّا تقديره الحَالَ بـ " مفضين " فغيرُ جَائزٍ؛ لأنَّه كونٌ مقيَّدٌ. والثاني: أنَّها بمعنى " فِي " أي: في يوم القِيَامَةِ، ونظيره قولُ النَّابغة: [الطويل]
1885- فَلاَ تَتْرُكَنِّي بِالوَعِيدِ كَأنَّنِي
إلَى النَّاسِ مَطْلِيٌّ بِهِ القَارُ أجْرَبُ
أي: في النَّاسِ. والثالث: أنها بِمَعْنَى " مَعَ " ، وهذا غيرُ وَاضِح المَعْنَى. قال القُرْطِبي: وقيل: " إلى " وصلة في الكلام، والمَعْنَى: " ليجمعنكم " يوم القيامة والقيامة بمعنى القِيام كالطِّلابة والطِّلاب؛ قالوا: ودخلت التاءُ فيه للمُبَالَغَة، كعلاَّمة ونَسَّابَة؛ لِشدَّةِ ما يَقَع فيه من الهَوْل، وسُمِّي بذلك لقيام الناس فيه للحساب؛ قال تعالى:{ يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [المطففين: 6]. وقال الزَّجَّاج: يجُوز أن يُقال: سمُيِّت القِيَامَة قِيَامة؛ لقيام الناس من قبُورهم؛ قال - تعالى -:{ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ }