الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً }

في " ما " هذه قَوْلان:

أحدهما: قال أبو البقاء: إنها شَرْطِيةٌ: وضَعَّف أن تكونَ مَوْصُولةً قال: " ولا يَحْسُن أن تكُونَ بِمَعْنَى الذي؛ لأنَّ ذلك يَقْتَضِي أن يكون المُصِيبُ لهم مَاضِياً مخصَّصاً، والمعنى على العُمُومِ والشَّرْطيةُ أشْبَهُ، والمرادُ بالآيةَ: الخِصْب والجَدْب، ولذلك لم يَقُلْ:ما أصَبْت ". انتهى، يَعْنِي أنَّ بَعْضَهم يَقُول: إنَّ المرادَ بالحَسَنة الطَّاعةُ، وبالسَّيِّئةِ المَعْصِيَةُ، ولو كان هَذَا مُرَاداً، لقال: " ما أصَبْتُ "؛ لأنَّه الفَاعِلُ للحَسَنةِ والسَّيِّئة جَمِيعاً، فلا تُضَاف إليه إلا بِفعْلِهِ لَهُمَا.

والثاني: أنها مَوْصُولةٌ بمعنى الَّذِي، وإليه ذَهَب مكِّي، ومَنَع أن تَكُونَ شَرْطيَّة، قال: وليسَتْ للشرطِ؛ لأنَّها نزلت في شَيْءٍ بِعَيْنِه، وهو الجَدْب والخِصْب، والشرطُ لا يكون إلا مُبْهَماً، يجوزُ أنْ يَقَع وألاَّ يقعَ، وإنَّما دخلت الفَاءُ للإبْهَام الَّذِي في " الَّذِي " مع أن صِلتهِ فِعْلٌ، فدلَّ على أنَّ الآية لَيْسَت في المَعَاصِي والطَّاعَات كَمَا قال أهْلُ الزَّيْغ، وأيْضاً فإنَّ اللَّفْظَ " ما أصابَكَ " ، ولم يَقُل: " ما أصَبْتَ ". انتهى.

والأوَّلُ أظهرُ؛ لأنَّ الشرطيةَ أصْلٌ في الإبْهام كنما ذكره أبُو البَقَاء، والموصولةُ فبالحَمْل عَلَيْها، وقولُ مكيّ: " لأنها نَزلَتْ في شيء بعينه " هذا يقتضي ألاَّ يُشَبَّه الموصولُ بالشرطِ؛ لأنه لا يُشَبَّه به حَتَّى يرادَ الإبْهَامُ لا شيءَ بِعَيْنِه، وإلاَّ فمتى أُريد به شَيْءٌ بعينه، لم يُشَبَّه بالشَّرْط فلم تَدْخُلِ الفَاءُ في خَبَره، نَصَّ النَّحْويُّون على ذلك، وفي المَسْألَةِ خلافٌ: فَعَلَى الأوَّل: " أصابَك " في محلِّ جَزْم بالشَّرْط، وعلى الثَّاني: لا مَحَلَّ له؛ لأنه صِلَة.

و " من حسنة " الكلامُ فيه كالكَلامِ في قَوْله:مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ } [البقرة: 106] وقد تقدَّم، والفاءُ في " فمن الله " جَوَابُ الشَّرْط على الأولِ وزائدةٌ على الثَّّاني، والجارُّ بَعْدَها خبرٌ لمبتدأ مَحْذُوف، تقديرُه: فَهُو من الله، والجُمْلَةُ: إمَّا في محلِّ جَزْمٍ أوْ رَفْعٍ على حَسَبِ القَوْلين.

واختلِفَ في كافِ الخِطَابِ: فقيل: المرادُ كلُّ أحدٍ، وقيل: الرَّسُول والمُرادُ أمتهُ، وقيل: الفَرِيقُ في قوله: { إِذَا فَرِيقٌ } ، وذلك لأنَّ " فريقاً " اسمُ جَمْعٍ فله لَفْظٌ ومَعْنًى، فراعَى لفظه فأفْرَدَ؛ كقوله: [الطويل]
1837- تَفَرَّقَ أهْلاَنَا بِبَيْنٍ فَمِنْهُمُ   فَرِيقٌ أقَامَ واسْتَقَلَّ فَرِيقُ
وقيل في قوله: { فَمِن نَّفْسِكَ }: إنَّ همزَة الاسْتفْهَام مَحْذوفةٌ، تقديره: أفمِنْ نفسِك، وهو كَثِيرٌ؛ كقوله - تعالى -:وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا } [الشعراء: 22] وقوله - تعالى -:بَازِغاً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي } [الأنعام: 77]. ومنه: [الطويل]
1838- رَفَوْنِي وَقَالُوا يَا خُوَيْلدُ لا تُرَعْ   فَقُلْتُ وأنْكَرْتُ الْوُجُوه هُمُ هُمُ
وقوله: [المنسرح]
1839- أفْرَحُ أنْ أرْزَأ الْكِرَامَ وأنْ   أورَثَ ذَوْداً شَصَائِصاً نَبْلاً
تقديره: وأتِلْكَ، وأهَذا رَبِّي، وأهمُ هُم، وأفرحُ، وهذا لم يُجْزه من النُّحَاةِ إلا الأخفش، وأمَّا غَيْره فلم يُجِزْهُ إلا قَبْل " أمْ "؛ كقوله: [الطويل]

السابقالتالي
2 3 4 5