الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } * { ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً }

لما أمر اللَّه بطَاعَةِ اللَّهِ وطاعَةِ رسُولِهِ بقوله:أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } [النساء: 59] ثم زيَّف طريقَةَ المُنَافِقِين، ثم أعَادَ الأمْر بطَاعَةِ الرَّسُول بقوله - [تعالى] -:وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ أِلاَّ لِيُطَاعَ } [النساء:64] ورغَّب في تِلْك الطَّاعَةِ بإيتَاءِ الأجْرِ العَظيمِ، وهداية الصِّرَاطِ المُسْتَقِيم، أكد الأمْرَ بالطَّاعَة في هَذِه الآيَةِ مَرَّة أخْرَى، فقال: { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } الآية، وقال القُرْطبيّ: لما ذكر اللَّه - تعالى - الأمْر الذي لو فَعَلَهُ المُنافِقُون حِين وعظُوا به وأنَابُوا إليه، لأنْعَمَ عليهم، ذكر بعد ذَلِك ثَوابَ من يَفْعَلهُ.

فصل: سبب نزول الآية

قال جماعة من المفسِّرِين: " إن ثَوبَان مَوْلى رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم كانَ شَديد الحُبِّ لرسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم قليل الصَّبْر عن فِراقِهِ، فأتَاهُ يَوْماً وقد تَغَيَّر لَوْنُه، ونحلُ جسمُه، وعُرِف الحُزْن في وَجْهِه، فقال [له] رسُول الله صلى الله عليه وسلم [ما غيَّر لَوْنَك؟ فقال: يا رسول الله] مَا بِي من وَجَع غيْرَ أنِّي إذا لمْ أرَكَ، اسْتَوْحَشْتُ وحْشَةً شَديدةً حَتَّى ألقاك، فَذَكَرْتُ الآخِرَة فَخِفْتُ ألاَّ أرَاكَ هُنَاكَ؛ لأنك تُرفعَ مع النبييِّن [والصِّدِّيقين]، وإني إن أدخِلْتُ الجَنَّة، كنت في مَنْزَلةٍ أدْنَى من مَنْزِلَتِك، وإن لَمْ أدْخُلِ الجَنَّة، فلا أرَاكَ أبَداً " فنزلَتْ [هذه] الآيَةَ.

وقال قَتَادة: إن بَعْض أصْحَاب النِّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: كيف يَكُون الحَالُ في الجَنَّة وأنْتَ في الدِّرَجَات العُلَى ونَحْنُ أسْفَل مِنْك فَكَيْفَ نَرَاكَ، فَنَزَلَتْ هَذِه الآية.

وقال مُقَاتل: نَزَلَتْ في رَجُلٍ من الأنْصَارِ، قال للنَّبِي صلى الله عليه وسلم يا رسُولَ اللَّه، إذا خَرَجْنَا من عِنْدِك إلى أهْلِينَا اشْتَقْنَا إليك، فما يَنْفَعُنَا شيء حتَّى نَرْجع إلَيْك، ثم ذَكَرْتُ درجَتَكَ في الجَنَّة، فكيف لَنَا بِرُؤْيَتك إن دَخَلْنَا الجَنَّة، فنزَلَتْ هذه الآيةُ، فلما تُوُفِّي النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: اللَّهُمَّ أعْمِنِي حّتَّى لا أرَى شَيْئاً بَعْدَهُ إلى أنْ ألقاه؛ فعَمِيَ مَكَانَهُ، فكان يُجِبُّ النبي حُبّاً شديداً، فجعله الله مَعَهُ في الجَنَّةِ.

قال المُحَقِّقُون: لا تنكَرُ صحَّة هَذِهِ الرَّوَايَاتِ؛ إلا [أن] سَبَب النُّزُّول يجب أن يكون شَيْئاً أعْظَم من ذَلِك، وهو الحَثُّ على الطَّاعَةِ والتَّرغِيب فيهَا، فإن خُصُوصَ السَّبَبِ لا يَقْدَحُ في عُمُوم اللَّفَظِ، فالآيةُ عامَّةٌ في حَقِّ جميع المكلَّفين، والمَعْنَى: ومَنْ يُطِع اللَّه في أدَاءِ الفَرَائِضِ، والرَّسُولَ في السُّنَنِ.

فصل

ظاهر قوله: { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } يوجب الأكْثَر بالطَّاعَة الوَاحِدَة، لأنَّ اللَّفْظَ الدالَّ على الصِّفَةِ يكفي في جَانِبِ الثُّبُوتِ حُصُول ذَلِكَ المُسَمَّى مَرَّة وَاحِدَة.

قال القَاضِي: لا بد من حَمْلِ هَذَا على غير ظاهره، وأن تُحْمَل الطَّاعَة على فعل المأمُورَاتِ وتَرْك جَمِيع المنْهِيَّات؛ إذ لو حَمَلْنَاهُ على الطَّاعَةِ الوَاحِدَةِ، لدخل فيه الفُسَّاق والكُفَّار؛ لأنهم قد يأتُونَ الطَّاعَةَ الوَاحِدَة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6