الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يَشْتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } * { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً }

لما ذكر - تعالى - أنْوَاع التَّكَالِيف من أوَّل السُّورة إلى هنا، ذكر أقَاصيص المُتقدِّمين؛ لأن الانْتِقَال من نَوْع من العُلُومِ إلى نَوع آخر كأنه يُنَشِّط الخَاطِر، وقد تقدَّم الكلام في قوله - تعالى -أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ } [البقرة: 258] والمراد بـ { الذين أوتوا نصيباً من الكتاب } هم اليَهُود ".

وقال ابن عبَّاس: نزلت هذه الآيةُ في حَبْرٍ من أحْبار اليَهُود، كانا يأتِيَان رَأس المُنَافِقِين عبد الله أبيّ [ابن سَلُول] ورَهْطه، يُثَبِّطُونهُم عن الإسْلاَم.

وعن ابن عباس أيضاً؛ قال: نزلَتْ في رفاعة بن زَيْدٍ، ومالك بن دخشم، كَانَا إذا تَكَلم رسُول الله صلى الله عليه وسلم لوياً لِسَانَهُمَا، وعَابَاهُ، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية.

قوله: " من الكتاب " فيه وَجْهَان:

أحدهما: أنه مُتَعلِّق بمحْذُوفٍ، إذ هو صِفَة لـ " نصيباً " فهو في مَحَلِّ نصبٍ.

والثاني: متعلَِّق بـ " أوتوا " أي أُوتوا من الكِتاب نصيباً، و " يشترون ": حالٌ، وفي صاحبها وَجْهَان:

أحدهما: أنه واو " [أوتُوا] ".

والثاني: أنه المَوْصُول وهي على هذا حَالٌ مُقَدرة، والمُشْتَري به مَحْذُوف، أي: بالهُدَى، كما صرح به في مَوَاضِع، ومعنى " يشترون ": يستبدِلون الضَّلالة بالهُدَى.

قوله: " ويريدون " عطف على " يشترون ".

وقال النَّخْعِي: { وتريدون أن تضلوا } بتاء الخطاب، والمَعْنَى: تُرِيدُون أيها المؤمنون أن تدَّعُوا الصَّواب، وقرأ الحسن: " أن تِضُلُّوا " من أضل. وقرئ " أن تُضَلُّوا السبيل " بضم التَّاءِ وفتح الضَّادِ على ما لَمْ يُسَمّ فَاعِلُه، والسَّبيل مفعول به؛ كقولك: أخطأ الطَّريقَ، وليس بِظَرْف، وقيل: يتعدى بـ " عن "؛ تقول: ضلَلْت السَّبيل، وعن السَّبيل، ثم قال: { والله أعلم بأعدائكم } أي: أعْلَم بما في قُلُوبهم وصدورهم من العَدَاوة والبَغْضاء.

قوله: { وكفى بالله ولياً } تقدم الكلام عليه أوّل السُّورة، وكذا الكلام في المَنْصُوب بَعْده، والمعنى: أنه - تعالى - لما بيَّن شِدَّة عداوتِهم للمسْلِمين، بين أنه - تعالى - وليُّ المؤمِنين ونَاصِرُّهُم.

فإن قيل: ولاية اللَّه لعبده عِبارةَ عن نُصْرَته، فَذكْر النَّصِير بعد ذِكر الوَلِي تكْرَارٌ.

فالجواب: أن الوَلِيَّ هو المُتَصرِّف في الشَّيْء، والمتصرِّف في الشَّيء يجب أن يكُونَ نَاصِراً.

فإن قيل: ما الفَائِدة من تكْرار قوله: " وكفى بالله ".

فالجواب: أن التِّكْرَا في مِثل هذا المقَام يكون أشَد تَأثِيراً في القَلْب، وأكْثَر مُبَالَغَة.

فإن قيل: ما فائدة تكرار الباء في قوله: " بالله " فذكروا وجوهاً:

أحدها: لَوْ قيل: كفى اللَّه، يتصل الفِعْل بالفَاعِل ثم ههُنا زيدَت البَاء إيذَاناً بأن الكفاية من الله لَيْسَت كالكِفَايَة من غَيْره.

السابقالتالي
2