الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً }

قوله: " وماذا عليهم ".

قد تقدم الكلام على نَظِيرتِها، و " ماذا عليهم " استفهام بمعنى الإنكار.

قال القرطبي: " ما ": في موضع رفع بالابتداء، و " ذا " خبره، و " ذا " بمعنى الَّذِي، وهذا يحتمل أن يكُون الكلام قد تَمَّ هنا، ويجوز أن يكونُ " وماذا " اسماً واحداً، ويكون المَعنى أي: وأيُّ شيء عليهم في الإيمانِ باللَّهِ، أو ماذا عَلَيْهم من الوَبَال والعَذَابِ يَوْم القِيَامَة.

ثم استأنف بقوله: { لَوْ آمَنُواْ } ويكُون جَوَابُهَا مَحْذُوفاً، أي: حصلت لهم السَّعَادة، ويحتمل أن يَكُون [تمام] الكَلاَم بـ " لو " ومَا بَعْدَها، وذلك على جَعْل " لو " مصدريَّة عند من يُثْبِتُ لها ذلك، أي: وماذا عليهم في الإيمان، ولا جَواب لها حينئذٍ، وأجاز ابن عطيَّة أن يَكُون { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ } جواباُ لـ " لَوْ " ، فإن أراد من جهة المَعْنَى فمُسلَّمٌ وإن أرادَ من جهة الصِّنَاعة فَفَاسِدٌ؛ لأن الجواب الصِّنَاعي لا يتَقدّم عند البَصْرِيِّين، وأيضاً فالاستفهام لا يُجَاب بـ " لو " ، وأجاز أبُو البَقَاء في " لو " أن تكُون بمعنى " إن " الشَّرطيّة؛ كما جاء في قوله:وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } [البقرة: 221] أي: وأيُّ شيءٍ عليهم إن آمَنُوا.

قال الجبائي: ولو كانوا غَيْرَ قَادِرين، لم يجز أن يقُول اللَّه ذلِك؛ كما لا يُقالُ لمن هُو في النَّار مُعَذَّب: ماذا عليهم لَوْ خَرَجُوا مِنْها، وصَارُوا إلى الجَنَّة، وكما لا يُقال للجَائِع الذي لا يَقْدِر على الطَّعام: ماذا عَلَيْه لو أكَل.

[وقال الكعبي] لا يجوز أن يَمْنَعه القُدْرة، ثم يَقُول: ماذا عَلَيْه لو آمَنَ، كما [لا] يقال لمن بِه مَرَضٌ: ماذا عليه لَوْ كَانَ صَحِيحاً، ولا يُقَال للمرأة: ماذا عليها لو كَانَت رَجُلاً، وللقَبيح: ماذا عَلَيْه لو كان جَمِيلاً كما لا يَحْسُن هذا القَوْل من العَاقِل، كذلك لا يَحْسُن من اللَّه - تعالى -.

وقال القَاضِي عبد الجَبَّار: لا يُجوز أن يأمر العاقل وكيله بالتَّصَرُّف في الصَّفَقَة، ويَحْبِسهُ بحيث لا يتمكَّنُ من مُفارقة الحَبْسِ، ثم يقولُ لَهُ: مَاذَا عليك لو تصَرَّفْت، وإذا كان من يَذكر مثل هذا الكلام [سفيهاً] دل ذلك على أنَّه على اللَّه - تعالى - غير جَائِزٍ واعلم أن مِمَّا تمسَّك به المُعْتَزِلة من المَدْح والذَّمِّ والثَّواب والعِقَاب، معارضتهم بمسْألة العِلْم والدَّاعِي.

قال ابن الخَطِيب: قد يَحْسُن منه ما من غيره؛ لأن المُلْك مُلْكُه.

ثم قال: { وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً } أي: عليم ببواطنِ الأمُور كما هو عَليمٌ بِظَاهِرِها، وهذا كالرَّدْع للمكلَّف عن القَبَائح من أفْعال القُلُوبِ؛ مثل النِّفاق والرِّيَاء والسُّمْعَة.