الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }

لمَّا أرشد كُلَّ وَاحِدٍ من الزَّوْجَيْنِ إلى المُعَاملة الحسنة [مع الآخر، أرشد في هَذهِ الآية إلى سَائِرِ الأخْلاَق الحَسَنة] وذكر منها [هَهُنا] عَشْرَة أنْوَاع:

الأول: قوله - تعالى -: { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } قال ابن عبَّاسٍ: وَحِّدُوهُ، واعلم أن العِبَادة عبارةٌ عن كل عَمَل يُؤْتَى به لمجَرَّد أمْر اللَّه - تعالى - بذلك، ولما أمَر بالعبَادَةِ، أمر بالإخلاصِ فيها: فقال { وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }.

قال القرطُبي: ذكر العُلَمَاء أن من تطهَّر [تَبَرُّداً] أو صام [حميَّة] لِمعدَتِهِ، ويرى مع ذَلِكَ التَّقرُّب لم يُجْزِه؛ لأنه مَزَج [نية] التَّقرُّب بنيَّة دُنْيَويَّة، ولذا إذا أحسَّ الإمام بداخِلٍ وهو رَاكِعٌ لم يَنْتَظِرْه، لأنه يُخْرِج ذكر [الله] بانتظاره عن كَوْنِه خالصاً - لله - تعالى.

ثم قال { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } وتقدم الكلام على نظير هذا في البَقَرَةِ، واتَّفقوا على أن ههنا مَحْذوفاً، والتَّقْدير: " وأحسنوا بالوالدين إحساناً "؛ كقوله: " فضرب الرقاب " أي: فاضْربُوها، وقرأ ابن أبي عَبْلَة: " إحسان " بالرَّفع على أنَّه مُبْتَدأ، وخبره الجَارّ [والمجرور] قَبْلَهُ.

والمراد بهذه الجُملَةِ: الأمر بالإحسان وإن كانت خبريةً؛ كقوله - تعالى -:فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } [يوسف: 18].

قوله: { وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ } فأعاد الباء، وذلك لأنها في حق هذه الأمَّة، فالاعتناء بها أكثر، وإعادة الباء تدل على زيادة تأكيد فناسب ذلك هنا، بخلاف آية البَقَرَة، فإنَّها في حقِّ بني إسْرائيل، والمراد الأمْر بصلَة الرَّحم، كما ذكر في أول السُّورة بقوله:وَٱلأَرْحَامَ } [النساء: 1].

واعلم أن الوَالِدَيْنِ من القَرَابة أيضاً، إلا أنَّهما لمّا تَخَصَّصَت قرابتهما بكَوْنِهمَا أقرب القَرَابات، لا جرم خصّهما بالذِّكْر.

{ وَٱلْيَتَامَىٰ } فاليتيم مَخْصُوص بنوعَيْن من العَجْز:

أحدهما: الصِّغر.

والثاني: عَدَمُ المُنْفِق، ومن هذا حَالهُ كان في غَايَة العَجْزِ واستِحْقَاقِ الرحمة.

قوله { وَٱلْمَسَاكِينِ } فالمسْكين وإن كان عدِيم المالِ، إلا أنَّه لكبره يمكنه أن يَعْرض حالَ نَفْسَه على الغَيْرِ؛ فيجتلب به نَفْعَاً أو يدفعَ به ضرراً، وأما اليتيمُ، فلا قُدرة له؛ فلهذا المعنى قدَّم الله اليتيم في الذِّكر على المِسْكِين، والإحْسَان إلى المِسْكِين إما بالإجْمَالِ إلَيْهِ، وإمّا بالرَّدِّ الجميل، لقوله:وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } [الضحى: 10].

وقوله: { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } الجمهور على خفض الجارّ، والمراد به القَرِيب النَّسِيب، وبالجار الجُنُب: لبعيد النَّسِيب.

وعن مَيْمُون بن مَهْرَان: والجار ذِي القُرْبَى، أُريد به الجارِ القريب، قال ابن عطيَّة: وهذا خطأ؛ لأنَّه على تأويله جمع بين ألَ والإضافة، إذ كان وَجْه الكَلاَمِ: وجار ذي القُرْبَى [الجار القريب]، ويمكن جوابُه على أن ذِي القُرْبَى، بدل من الجارِّ على حَذْفِ مُضَافٍ، أي: والجار ذِي القُرْبَى؛ كقوله: [الخفيف].
1793- نَصَرَ اللَّهُ أعْظُماً دَفَنُوهَا   بسجِسْتَانَ طَلحة الطَّلحَاتِ
أي: أعْظُم طَلْحَة، [ومن كلامهم]: لو يعلمُون العِلْم الكبيرة سنة، أي: علم الكبيرة سنّه، فحذف البَدل لدلالة الكلام عليه.

السابقالتالي
2 3