الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلَٰحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً }

لما ذكر الضربَ ذَكَرَ هذه المحاكمة؛ لأنَّ بها يتبينّ المظلومُ من الظَّالِمِ.

قال ابْنُ عَبَّاسٍ: { خِفْتُمْ } أي: علمتم قال: وَهَذَا بِخِلافِ قوله تعالى: { وَٱللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } ، فإنَّ ذلك محمول على الظَّنِّ، والفرق بَيْنَ الموضِعَيْنِ في الابْتِدَاءِ يظهرُ له أمارات النُّشُوزِ، فعند ذلِك يحصل الخَوْفُ، وأمّا بَعْدَ الوعْظِ، والهجر والضَّرْبِ إن أصرّت على النُّشُوزِ، فقد حَصَلَ العِلْمُ بالنُّشُوزِ، فَوَجَبَ حملُ الخَوْفِ ههنا على العِلْمِ.

وقال الزَّجَّاجُ: القول بأن الخَوْفَ هاهنا بمعنى اليَقِيِنِ خطأ، فإنّا لو عَلِمْنَا الشقاق عَلَى الحَقيقَةِ لم يحتج إلى الحُكمِ، وأُجيبَ بأن وجود الشقاق وإن كانَ مَعْلُوماً، إلاَّ أنا لا نَعْلم أن ذلك الشِّقاق صدر عَنْ هَذَا، أو عَنْ، ذلك، فالحَاجَة إلى الحَكَمِيْنِ لمَعْرِفَةِ هذا المَعْنَى.

قال ابْنُ الخَطيبِ: ويمكنُ أن يُقالَ: وُجود الشِّقَاقِ في الحَالِ مَعْلُومٌ، ومثل هذا لا يَحْصلُ منهُ خَوْفٌ، إنَّمَا الخَوْفُ في أنَّهُ هل يَبْقَى ذلك الشِّقَاقُ أم لا، فالفَائِدَةُ في بعث الحكمين لَيْسَتْ إزالة الشِّقَاقِ الثَّابِت، فإنَّ ذلك مُحَالٌ، بل الفائِدَةُ إزالة ذلك الشِّقاق في المُسْتَقْبَلِ.

قوله: { شِقَاقَ بَيْنِهِمَا } فيه وجهان:

أحدهما: أنَّ الشِّقَاقَ مضاف إلى " بَيْنَ " ومعناها الظَّرْفِيَّةُ، والأصْلُ: " شقاقاً بينهما " ، ولكنَّهُ اتَّسع فيه، فأضيف الحَدَثُ إلى ظَرْفِهِ وإضافة المصدر إلى الظرف جائزة لحصوله فيه، وظرفيته باقية نحو: سَرَّنِي مسير اللَّيْلَةِ، ويعجبني صَوْمُ يَوْم عَرَفَةَ، ومنه:بَلْ مَكْرُ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } [سبأ: 33].

والثَّاني: أنه خَرَجَ عن الظَّرفيَّةِ، وبقي كَسَائِرِ الأسْمَاءِ، كأنه أُريد به المُعَاشرة، والمصاحبة بين الزَّوْجَيْنِ، وإلى مَيْلُ أبي البقاء قال:والبَيْنُ هنا الوَصْلُ الكائنُ بين الزوجين " وللشقاق تأويلان:

أحدهما: أن كل واحد منهما يفعل ما يَشُقُّ على صاحبه.

والثاني: أن كل واحد منهما صار في شق بالعداوة والمباينة.

فصل [معاني الشقاق]

وقد ورد الشِّقاقُ على أربعة أوْجُهٍ:

الأوَّلُ: بمعنى الخِلاَفِ كهذه الآية، أي: خلاف بينهما.

الثَّاني: الضَّلال، قال تعالى:وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } [الحج: 53] أي: في ضلال.

الثَّالث: أن الشِّقَاقَ: العداوة قال تعالى:وَيٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ } [هود: 89] أي: عداوتي، و [العداوة] وممّا يشق على صاحبه.

الرابع: أنّ كُلَّ واحدٍ منها صار في شقّ بالعداوة، والمباينة.

فصل [هل البعث خطاب للإمام أم لآحاد الناس]

قوله { فَٱبْعَثُواْ } قال بعضهم: هذا خِطَابٌ للإمام، أو نائبة وقال آخرون: هَذَا خطابٌ عامٌّ للجميع، وليس حمله على البَعْضِ أولى من حَمْلِهِ على البَقِيَّةِ، فَوَجَبَ حملُهُ على الكُلِّ، فعلى هذا يَكُونُ أمراً لآحاد الأمّة سواء وجد الإمام، أم لم يُوجَدْ، فللصَّالحين أنْ يَبْعَثُوا حكماً من أهلِهِ، وحكماً من أهْلِهَا للإصلاح، ولأنَّ هذا يَجْرِي مَجْرَى دَفْع الضَّرَر، ولكل أحد أنْ يَقُومَ به.

قوله: { مِّنْ أَهْلِهِ } فيه وجهان:

أحدُهُمَا: أنه متعلِّق بـ { فَٱبْعَثُواْ } فهي لابتداء الغاية.

السابقالتالي
2