الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً }

وجه النَّظْم: أنَّ النِّسَاءَ لمّا تَكلَّمْنَ في تَفْضيل [الله] الرِّجال عليهن في الميراثِ؛ بيَّن في هذه الآيَةِ أنَّهُ إنَّمَا فضَّل الرِّجَال على النِّسَاءِ في الميراث؛ لأنَّ الرِّجالَ قوَّامون على النساء؛ فهم وإن اشْترَكُوا في اسْتِمْتَاعِ كُلّ واحدٍ منهم بالآخر، فاللَّهُ أمَرَ الرِّجَالَ بالْقِيَامِ عليهنَّ والنفقة، ودفع المَهْرِ إليهنَّ.

وَالْقَوَّامُ، والقَيِّمُ بمعنى واحد، والقوام أبْلَغُ، وهو القيم بالمصالح، والتَّدْبِيرِ، والتَّأدِيبِ، والاهتمام بالْحِفْظِ.

قال مُقَاتِلٌ: " نزلت في سَعْد بْنِ الرَّبيعِ، وكان من النقباء وفي امرأته حبيبةَ بِنْتِ [زَيْدِ ابْنِ خارجة بن أبي زهير].

وقال ابْنُ عَبَّاس، والكلْبِيُّ: " امرأته عَميرَةُ بِنْتُ محمد بْن مَسْلَمةَ، وذلك أنَّها نَشَزَتْ عليه، فَلَطَمَهَا, فانْطلقَ أبُوها معها إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفَرْشْتُهُ كريمَتِي فلطمَهَا، وإنَّ أثَرَ اللَّطْمَةِ بَاقٍ في وَجْهِهَا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اقتصِّي منه ثم قال: اصبري حتى أنظر، فنزلت هذه الآية، فقال النبي عليه السلام: أردْنَا أمراً، وأرَادَ اللَّهُ أمْراً، والَّذِي أرَادَ اللَّهُ خَيْر، ورَفَعَ الْقِصَاصَ ".

قوله: { عَلَى ٱلنِّسَآءِ } متعلق بـ { قَوَّامُونَ } وكذا " بما " والباء للسَّبَبيَّةِ، ويجوز أن تكُونَ لِلْحَالِ، فتتَعلَّق بِمحذُوفٍ؛ لأنَّهَا حَالٌ من الضَّميرِ في { قَوَّامُونَ } تقديره: مُسْتَحِقِّينَ بتفضيل اللِّهِ إيَّاهُمْ، و " مَا " مَصْدَريَّةٌ، وقيل: بمعنى الَّذِي، وهو ضعيفٌ لحذف العائِدِ من غَيْرِ مُسَوِّغ.

والبعضُ الأوَّلُ المُرادُ به الرِّجالُ، والبَعْضُ الثَّاني: النسَاءُ، وعَدلَ عَنِ الضَّميريْن فلم يَقُل: بما فَضَّلَهم اللَّهُ عَلَيْهِنَّ، للإبهام الذي في بَعْض.

فصل في دلالة الآية على تأديب النساء

دَلَّت الآيةُ عَلَى تأديبِ الرِّجَالِ نساءهم، فإذا حَفِظْنَ حُقُوقَ الرِّجَالِ، فلا يَنْبَغِي أن يُسِيءَ الرِّجُلُ عِشْرَتَها.

فصل

اعلم أنَّ فَضْلَ الرِّجَالِ على النِّسَاءِ من وُجُوهٍ كثيرةٍ؛ بعضها صفات حقيقيَّة، وبعضها أحْكَامٌ شرْعيَّةٌ، فالصِّفَاتُ الحقيقيَّة [أن] عُقُولَ الرِّجَالِ وعُلُومَهُم أكْثَر، وقُدْرَتهم على الأعْمَالِ الشَّاقَّة أكْمَل، وفيهم كذَلِكَ من الْعَقْلِ والْقُوَّةِ والكِتَابَةِ في الغالب والفُرُوسيَّةِ، والرَّمْي، وفيهمُ العُلَمَاءُ، والإمَامَةُ الكُبْرَى [والصغرى]، والجهادُ والأذانُ، والخطبةُ، والجمعةُ، والاعْتِكَافُ، والشَّهَادَةُ على الحدود والقِصَاص، وفي الأنْكِحَةِ عند بعضِهِم، وزيادة نصيب الميراث، والتَّعْصيب، وتحمل الدِّية في قتل الخَطَأ، وفي القَسَامَةِ، وفي ولايةِ النِّكَاحِ، والطَّلاقِ، والرَّجْعَةِ، وعَدَدِ الأزْوَاجِ، وإليهم الانتساب.

وأمّا الصِّفَاتُ الشَّرعيَّةُ فقوله تعالى: { وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } والمرادُ: عطية المَهْرِ، والنَّفَقَة عليها، وكُلُّ ذلك يَدُلُّ على فَضْل الرِّجَالِ على النِّسَاءِ.

قوله تعالى: { وَبِمَآ أَنْفَقُواْ } يَتَعَلَّقُ بما تَعَلَّق به الأوَّلُ، و " مَا " يَجُوزُ أنْ تكُونَ بمعنى " الّذِي " من غير ضَعْفٍ؛ لأنَّ للحذف مسوِّغاً، أي: { وبما أنفقوه من أموالهم }.

{ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } متعلّق بـ { أَنْفَقُواْ } ، أو بمحذوف على أنَّهُ حال من الضَّمير المحذُوف.

فصل

قال القُرْطبِيُّ: قوله: { وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } يدلُّ على أنَّهُ متى عجز عن نَفَقَتِهَا، لم يَكُن قوَّاماً عليها [وإذا لم يكن قوّاماً] كان لها فَسْخُ العَقْدِ؛ لزوال المَقْصُودِ الَّذي شُرع لأجْلِهِ النِّكَاحُ، فدلَّ ذلك على ثبوت فَسْخِ النِّكَاحِ عند الإعسار بالنَّفَقَةِ، والكِسْوَةِ، وهذا مَذْهَبُ مَالِكٍ والشَّافعيّ، وأحْمدَ.

السابقالتالي
2 3 4 5