الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً }

" جعلنا " فيه سِتَّةُ أوْجُهٍ، وذلك يَسْتَدْعِي مقدِّمَةً قبله، وَهُوَ أنّ " كُلّ " لا بدَّ لَهَا مِنْ شَيْءٍ تُضَافُ إليْهِ.

قال القُرْطُبِيُّ: " كُلّ " في كلام العربِ مَعْناهَا: الإحَاطَةُ والعموم، فإذا جَاءَتْ مُفْرَدَة، فلا بدَّ وأن يكُونَ في الكَلاَمِ حَذْفٌ عند جميع النحويين ".

واختلفوا في تقديرهِ: فقيل تقدِيرُهُ: ولكلِّ إنسان.

وقيل: لِكُلِّ مال، وقيل: لِكُلِّ قوم، فإنْ كانَ التَّقْديرُ: لكل إنسان، ففيه ثلاثة أوجه:

أحدُهَا: وَلِكُلِّ إنسانٍ موروثٍ جعلنا موالي، أي: وُرَّاثاً مِمَّا تَرَكَ، ففي " تَرَكَ " ضميرٌ عائد على " كُلّ " ، وهنا تمّ الكلام.

وقيل: تَقْدِيرُهُ: ويتعلق " مِمَّا تَرَك " بـ " مَوَالي " لما فيه من معنى الوراثة، و " موالي ": مَفْعُولٌ أوَّ لـ " جَعَلَ " ، و " جَعَلَ " بمعنى: " صَيَّر " ، و " لِكُلّ " جار ومجرور هو المفعول الثَّاني، قُدِّم على عامِلِهِ، ويرتفع " الوِلْدَان " على خبر مبتدأ محذوف، أو بفعل مقدّر، أي: يرثون مما [ترك]، كأنه قيل: ومَنْ الوارثُ؟ فقيل: هم الوَالِدَان والأقْرَبُون، والأصل: " وجعلنا لكل ميت وراثاً يرثون مما تركه هم الوالدان والأقربون ".

والثَّانِي: أنَّ التَّقديرَ: ولكلِّ إنْسَانٍ موروث، جعلنا وراثاً مما ترك ذلك الإنسان. ثُمَّ بين الإنْسَان المضاف إليه " كُلّ " بقوله: { ٱلْوَالِدَانِ } ، كأنه قيل: ومن هو هَذَا الإنسان الموروث؟ فقيل: الوالدان والأقربُونَ، والإعراب كما تقدَّمَ في الوَجْهِ قَبْلَهُ، إنَّمَا الفرقُ بينهما أنَّ الوالِدَيْنِ في الأوَّلِ وارثون، وفي الثانِي مورثون، وعلى هذيْنِ الوجْهَيْنِ فالكلامُ جُمْلَتَانِ، ولا ضميرَ، محذُوف في " جعلنا " ، و " موالي " مفعول أول، و " لكل " مفعول ثان.

الثَّالِثُ: أن يكُونَ التَّقدِيرُ: ولكل إنسان وارِث ممَّن تركُ الولِدَانِ والأقْرَبُون جعلنا موالي، أي: موروثين، فَيُراد بالمَولى: الموْرُوثُ، ويرتفع " الوالدان " بـ: " ترك " ، وتكون " مَا " بمعنى " مَنْ " ، والجارّ، والمجرورُ صِفَةٌ للمضاف إليه " كُلّ " ، والكلامُ على هذا جُمْلَةٌ واحِدَةٌ، وفي هذا بُعْدٌ كبير.

الرَّابعُ: إذا كان التَّقديرُ وَلِكُلِّ قوْمٍ، فالمعنى: ولكل قوم جعلنهم مَوَالي نصيبٌ مِمَّا تَرَكَهُ والدُهم وأقربوهم، فـ " لكل " خبر مقدّم، و " نَصِيب " مُبْتَدَأٌ مُؤخَّرٌ، و " جعلناهم " صفة لقوم، والضَّمِيرُ العَائِدُ عليهم مفعولُ: " جعل " ، و " موالي ": إما ثانٍ وإمّا حالٌ، على أنَّهَا بمعنى " خلقنا " ، و " مما ترك " صفةٌ للمبتدأ، ثم حُذف المُبْتَدَأ، وبقيت صفته، [وحُذِفَ المُضَافُ إليه " كُلّ " وبقيت صفته أيضاً]، وحُذف العَائِدُ على المَوْصُوفِ.

السابقالتالي
2 3 4