الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً }

قرأ ابْنُ جُبَيْرٍ، وابنُ مَسْعُود: " كَبِيرَ " بالإفراد والمرادُ به الكُفْرُ وقرأ المفضّلُ: " يُكَفِّر " ، " ويدخلكم " بياء الغَيْبَةِ للَّهِ تعالى.

وقرأ ابْنُ عَبَّاسٍ: " من سيئاتكم " بزيادة " من ". وقَرَأَ نَافِعٌ وحده هنا وفي الحج: " مَدْخَلاً " بفتح الميم، والباقُونَ بضمها، ولم يَخْتَلِفُوا في ضَمِّ التي في الإسراء. فأما مَضْمُومُ الميم، فإنَّهُ يحتملُ وجهين:

أحدهُمَا: أنَّهُ مَصْدرٌ وقد تَقَرَّر أنَّ اسْمَ المصْدَرِ من الرُّبَاعِيّ فما فَوْقَهُ كاسْمِ المفعُولِ، والمدخول فيه على هذا مَحْذُوفٌ أي: " ويدخلكم الجنة إدخالاً ".

والثَّانِي: أنَّهُ اسمُ مَكَانِ الدُّخُولِ، وفي نصبه حينئذٍ احتِمَالاَنِ "

أحدهُمَا: أنَّهُ منصوبٌ على الظَّرْفِ، وهو مَذْهَبُ سيبوَيْهِ.

والثَّاني: أنَّهُ مفعولٌ به، وهو مَذْهَبُ الأخْفَشِ، وهكذا كُلُّ مكان مختص بعد " دخل " فإنَّ فيه هذين المذْهَبَيْنِ، وهذه القِرَاءَةُ واضحةٌ، لأنَّ اسم المصْدَرِ، والمكان جَارِيَانِ على فعليهما.

وَأمَّا قِرَاءةُ نافِع، فتحتاجُ إلى تأويل، وذلك لأنَّ الميمَ المفتوحة إنَّما هو من الثُّلاثِيُّ، والفعل السَّابقُ لهذا رُباعِيّ فقيل: إنَّهُ منصوبٌ بفعل مقدّر مطاوع لهذا الفِعْلِ، والتقدِيرُ: يدخلكم، فتدخلون مدخلاً.

و " مَدْخَلاً " مَنْصُوبٌ على ما تقدَّمَ: إمَّا المصدريّة، وإما المَكَانِيَّة بوجهيها.

وقيل: هُوَ مصْدَرٌ عَلَى حَذْفِ الزَّوائِدِ نحو:أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } [نوح: 17] على أحد القَوْلَيْنِ.

فصل

روى ابْنُ عمرو عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال: " أكبر الكَبَائِرُ الإشْرَاكُ باللَّهِ عزَّ وجلَّ وعقوقُ الوالِدَيْنِ، وقَتْلُ النَّفْسِ، واليَمِينُ الغَمُوسُ ".

وقال عليه السَّلام: " " ألاَ أنبِئُكُمْ بأكْبَرِ الكَبَائِر؟ " ثلاثاً. فقالوا: بَلَى يا رسُولَ اللَّهِ. قال: " الإشْرَاكُ باللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِديْنِ - وَكَانَ مُتّكئاً فَجَلَسَ - وَقَالَ: ألاَ وَقَوْلُ الزُّورِ " فما زال يُكَرِّرُهَا، حَتَّى قُلْنا لَيْتَهُ سَكَتَ.

" وعن عُمَرَ بْنِ شراحيل عن عَبْدِ اللَّهِ قال: قُلْتُ يا رَسُولَ اللَّهِ: أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ. قال: " أنْ تَجْعَلَ للَّهِ نِدَّاً وَهُوَ خَالِقُكَ " قال: ثُمَّ أي. قال: " أنْ تَقْتَلُ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أنْ يَأكُلَ مَعَكَ ". قُلْتُ: ثمَّ أيْ. قال " أنْ تُزَانِيَ حَليلَةَ جَارِك " فأنزلَ اللَّهُ - تعالى - تَصديقَ قَوْلِ النَّبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ } [الفرقان: 68] وعن أبي هريرةَ عنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال: " اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبقَاتِ قالُوا يا رَسُول اللَّهِ، وما هُنَّ؟ قال: الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بالحقِّ وأكْلُ الرَِّبَا، وأكْلُ مَالِ اليتيمِ، والتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْف المُحْصنَاتِ الغَافِلاَتِ ".

وقال عبدُ الله بْنُ مسعودِ: أكْبَرُ الكَبَائِرِ الشِّرْكُ باللَّهِ، والأمن من مَكْرِ اللَّه والقنوط من رحمة اللَّه، واليأسُ من روح اللَّهِ.

السابقالتالي
2 3 4 5