الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَٰضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

قوله تعالى { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ } قرأ الجمهور { وَٱلْمُحْصَنَاتُ } بفتح الصاد سواء كانت معرفة بأل أم نكرة والكسائي بكسرها في الجميع إلاَّ في قوله { وَٱلْمُحْصَنَاتُ } في هذه الآية فَإنَّهُ وافق الجمهور فأما الفتح ففيه وجهان:

أشهرهما: أنَّهُ أسْنَدَ الإحصان إلى غيرهن، وهو إما الأزْوَاجُ أو الأولياء، فَإنَّ الزَّوج يحصن امرأته أي يعفها، والولي يحصنها بالتَّزويج أيضاً واللَّهُ يحصنها بذلك.

والثَّاني: أنَّ هَذَا المفتوح الصاد بمنزلة المكسور منها، يعني: أنه اسم فاعل، وَإنَّمَا شذ فتح عين اسم الفاعل في ثلاثة ألفاظ أحصن، فهو مُحْصَنٌ، وَألقح فهو مُلْقَحٌ، وأسْهَبَ فهو مُسْهَبُ، وَأمَّا الكسرُ فَإنَّهُ أسند الإحصان إليهن؛ لأنَّهُنَّ يحصن أنفسهن بعفافهن، أو يحصن فروجهن بالحفظ، أو يحصن أزواجهن، وَأمَّا استثناء الكسائي الآية لتي هنا قال: لأن المراد بهن المُزَوَّجَات، [فالمعنى أنَّ أزواجهن أحصنوهن فهنَّ مفعولات، وهذا على أحد الأقوال في المحصناتِ هنا منهنَّ على أنَّهُ قد قُرِئَ شاذاً بالكسر في هذا أيضاً قال: وإنْ أُرِيدَ بهن المزوّجات]؛ لأنَّ المراد أحصن أزواجهن، و فروجهن وهو ظاهر.

وقرأ يزيد بن قطيب: " والمُحْصُنات " بضمّ الصّاد كأنَّهُ لم يعتد بالساكن فأتبع الصّاد للميم كقولهم: " مَنْتُن " ، وأصل هذه المادة الدَّلالة على المنع ومنه الحصن؛ لأنَّهُ يمنع به، و " حصان " بالكَسْرِ للفرس من ذلك، ومدينة حصينةٌ ودرع حصينة أي: مَانِعَةٌ صاحبها من الجراح، قال تعالىوَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ } [الأنبياء: 80] أي: لتمنعكم، والحَصَانُ: بالفتح المرأة العفيفة؛ لمنعها فرجها من الفَسَادِ، قال تعالى:ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ } [التحريم: 12]، ويقال: أحْصَنَتِ المرأةُ وَحَصُنَتْ، ومصدر حَصُنَتْ: " حصن " عن سيبويه، و " حصانة " عن الكِسَائِيِّ، وأبي عبيدةَ، واسمُ الفاعل من أحْصَنَتْ مُحْصَنَةٌ، ومن حَصُنَت حَاصِنٌ، قال الشاعر: [الرجز]
1780- حَاصِنٍ مِنْ حَاصِنَاتٍ مُلْسِ   مِن الأذى وَمِنْ قرافِ الْوَقْسِ
ويقالُ لها " حصان " كما تقدم [بفتح الحاء] قال [حَسَّان] يصف عائشة رضي الله عنها: [الطويل]
1781- حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزنُّ بِرِيبَةٍ   وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ
فصل [معنى الإحصان]

والإحْصَان ورد في القرآن [بإزاء] أربعة معان: التزّوج كهذه الآية لأنَّهُ عطفت المحصنات على المحرّمات، فلا بدّ وأنْ يكون الإحصان سبباً للحرمة، ومعلوم أن الحرية والعفاف، والإسلام لها تأثير لها في ذلك، والمرْأةُ المزوّجة محرمة على الْغَيْرِ.

الثَّاني: العِفَّةُ قال تعالى:مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ } [النساء: 25] وقولهمُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } [المائدة: 5]وَٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } [الأنبياء: 91] أي: أعَفَّتْهُ.

الثالث: الحرية في قوله:وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ } [النور: 4] يعني الحرائر؛ لأنَّهُ لو قَذَفَ غَيْرَ حرَّةٍ لم يجلد ثمانين جلدة. وكذا قولهفَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَاتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } [النساء: 25] وقوله:وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ٱلْمُؤْمِنَاتِ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد