الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } * { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَٰقاً غَلِيظاً }

لما أذن في مضارة الزوجات إذَا أتين بفاحشة مبينة بين في هذه الآية تحريم المضارة في غير حال الإتيان بالفاحشة؛ وذلك لأن الرجل إذا مال إلى التَّزَوُّج بامرأة أخرى، رمى زوجته بنفسه بالفاحشة حتى يُلْجِئَها إلى الافتداء منه بما أعْطاهَا ليصرفه في تزوج المرأة التي يريدها، فقال تعالى { وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ }. قوله: { مَّكَانَ زَوْجٍ } ظرف منصوب بالاستبدال، والمراد بالزوج هنا الجمع، أيْ: فإن أردتم استبدال أزواج مكان أزواج وجاز ذلك [لدلالة] جمع المستبدلين، إذ لا يتوهم اشتراك المخاطبين في زوج واحد مكان زوج واحد، ولإرادة معنى الجمع عاد الضمير من قوله { إِحْدَاهُنَّ } على " زوج " جمعاً. [و] التي نهى عن الأخذ منها في المستبدل مكانها؛ لأنها آخذة منه بدليل قوله تعالى: { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } وهذا إنَّمَا هو في القديمة لا في المستحدثة، وقال: { إِحْدَاهُنَّ } ليدل على أنه قوله { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً } المراد منه: وآتى كل واحد منكم إحداهن أي: إحدى الأزواج [ولم يقل: " آتيتموهن قنطاراً " لئلا يتوهم أن جميع المخاطبين آتوا الأزواج] قنطاراً، والمراد آتى كل واحد زوجته قنطاراً، فدَلَّ [على] لفظ إحداهن ". على أنَّ الضمير في أتيتم المراد منه كل واحد واحد، كما دلّ لفظ { وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ } على أن المراد استبدال أزواج مكان أزواج فأرِيدَ بالمفرد هنا الجمع، لدلالة { وَإِنْ أَرَدْتُّمُ } ، واُرِيدَ بقوله: " وآتيتم كل واحد واحد " لدلالة إحداهن - وهي مفردة - على ذلك، ولا يُدَلُّ على هذا المعنى البليغ بأوجز، ولا أفصح من هذا التركيب، وقد تقدم معنى القنطار واشتقاقه في " آل عمران " ، والضمير في " منه " عائد على قنطار.

وقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ " آتيتم إحداهن " بوصل ألف إحدى، كما قرأ " إنها لإحدى الكبر " ، حذف الهمزة تحقيقاً كقوله: [الرجز]
1771- إنْ لَمْ أُقَاتِلْ فَالْبِسُونِي بُرْقُعَا   
وقد طول أبُو البَقَاءِ هنا، ولم يأتِ بطائلٍ فقال: وفي قوله: { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً } إشكالان:

أحدهما: أنه جمع الضمير والمتقدم زوجان.

والثاني: أن التي يريد أن يستبدل بها هي التي تكون قد أعطاها مالاً، فَنَهَاهُ عن أخذه، فَأَمَّا التي يريد أن يستحدث بها فلم يكن أعطاهَا شيئاً حَتَّى ينهى عن أخذه، ويتأيد ذلك بقوله { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ }.

والجواب عن الأول: أنَّ المراد بالزوج الجمع؛ لأن الخطاب لجماعة الرجال، وكل منهم [قد] يريد الاستبدال، ويجوز أنْ يكون جمع؛ لأن التي يريد أنْ يستحدثها يفضي حالها إلى أن تكون زوجاً و [أن] يريد أن يستبدل بها كما استبدل بالأولى فجمع على هذا المعنى.

السابقالتالي
2 3 4