الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً }

لما وَصَّى في الآية السابقة بالأرحام وصَّى في هذه الآية بالأيتام؛ لأنَّهم قد صاروا بحيثُ لا كافِلَ لهم ولا مُشْفِقَ فيهم - أسوأ حالاً ممن له رحم، فإنه عطفه عليه، وهذا خطاب الأولياء والأوصياء. قالوا: إن اليتيم من لا أب له ولا جد، والإيتاء: الإعطاء قال أبو زيد: أتَوْتُ الرجلَ آتُوه إتَاوَةً، وهي الرّشوة.

وقال الزمخشريُّ: الأيتام الذين مات آباؤهم، وَاليُتْمُ: الانفراد، ومنه الرملة اليتيمة، والدُّرة اليتيمة.

وقيل: [اليتيم] في الأناسي من قبل الآباء وفي البهائم من قبل الأمهات.

قال: وحق هذا الاسم أن يقع على الضعفاء والكبار لمن يبقى معنى الانفراد عن الآباء، إلا أنَّ في العرف اختصّ هذا الاسم بمن لم يبلغ، فإذا صار مستعيناً بنفسه في تحصيل مصالحه عن كافله، زال عنه هذا الاسم؛ وكانت قريش تقول لرسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَتِيم أبِي طَالِبٍ، إمَّا على القياس، وإما حكاية للحال التي كان عليها حين صغره ناشئاً في حجر عمه توضيعاً له.

وأما على قوله عليه السلام: " لاَ يتم بَعْدَ بُلُوغ " فهو تعليم للشريعة لا تعليم للغة.

وروى أبو بكر الرازي في أحكام القرآن أن جده كتب إلى ابن عباس يسأله عن اليتيم متى ينقطع يتمه؟ فكتب إليه: إذا أونِسَ منه الرشد انقطع يتمه.

وفي بعض الروايات: إن الرجل ليقبض على لحيته ولم ينقطع عنه يتمه بعدُ [فأخبر ابن عباس] أن اسم اليتيم يلزمه بعد البلوغ، إذا لم يؤنس منه الرُّشْدُ، ثم قال أبو بكر: " واسم اليتم قد يقع على المرأة المفردة عن زوجها ".

قال عليه السلام: " تستأمر اليتيمة في نفسها " وهي لا تستأمر إلاَّ وهي بالغة.

قال الشاعر: [الرجز]
1732- إنَّ الْقُبُورَ تَنْكِحُ الأيَامى   النِّسْوَةَ والأرَامِلَ الْيَتَامَى
فالحاصل أنّ اسم اليتيم بحسب اللُّغة يتناول الصغير والكبير.

فإن قيل: كيف جُمِعَ اليتيمُ على يتامى؟ واليتيم فعيل: فيجمع على فعلى، كمريض ومرضى وقتيل وقتلى، وجريح وجرحى؟ فقال الزَّمَخْشَرِيُّ: فيه وجهان.

أحدهما: أن يقال: إن جمع اليتيم، يَتْامَى، ثمّ يجمع فعلى على فَعَالَى كأسير وأسَارَى.

والثاني:أن نقول: جمع اليتيم يتائم؛ لأن اليتيم جار مجرى الاسم نحو " صاحب " و " فارس " ثم تنقلب " اليتائم " " يتامى ".

قال القفّال: " ويجوز يتيم ويتامى كنديم وندامى، ويجوز أيضاً يتيم وأيتام كشريف وأشراف ".

فإن قيل: إن اسم اليتيم مختص بالصغير فما دام يتيماً لا يجوز دفع ماله إليه، وإذا صار كبيراً بحيث يجوز دفع ماله إليه لم يبق يتيماً، فكيف قال: { وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ }.

فالجوابُ من وجهين:

الأول: أن يقال: المراد من اليتامى الذين بلغوا وكبروا، وسمَّاهم الله - تعلى - يتامى، إما على أصل اللغة، وإما لقرب عهدهم باليُتْم، وإن كان قد زال من هذا الوقت كقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4