الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً }

فالمُراد: أنهم امتنعُوا به من زَيْغِ الشَّيْطَانِ، { فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مَّنْهُ وَفَضْلٍ }.

فصل

قال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: المراد بالرَّحْمَةِ الجَنَّة، وبالفَضْلِ: ما يَتَفَضَّل به عليْهِم بمَا لا عَين رَأتْ، ولا أذُن سَمِعَتْ، [ولا خَطَرَ على قَلْبِ بَشر].

{ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً }.

قوله عزَّ وجَّل: { صِرَاطاً }: مفعولٌ ثان لـ " يَهْدِي "؛ لأنه يتعدَّى لاثنين؛ كما تقدم تحريره، وقال جماعةٌ منهم مَكِّيٌّ: إنه مفعولٌ بفعْلٍ محذوف دلَّ عليه " يَهْدِيهم " ، والتقدير: " يُعَرِّفُهُمْ ". وقال أبو البقاء قريباً من هذا إلا أنه لم يُضْمِرْ فعلاً، بل جعله منصوباً بـ " يَهْدِي " على المعنى؛ لأنَّ المعنى يُعرِّفُهُم، قال مكيٌّ في الوجه الثاني: " ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً لـ " يَهْدِي " ، أي: يَهْدِيهِم صِرَاطاً مستقيماً إلى ثوابه وجزائه " قال شهاب الدين: ولم أدْرِ لِمَ خَصَّصُوا هذا الموضِعَ دُونَ الذي في الفاتِحَةِ [الآية: 3]، واحتاجوا إلى تقدير فعل، أو تضمينه معنى " يُعَرِّفُهُمْ "؟ وأجاز أبو عليٍّ أن يكون منصوباً على الحال من محذوف؛ فإنه قال: " الهاءُ في " إليه " راجعةٌ إلى ما تقدَّم من اسم الله، والمعنى: ويَهْديهم إلى صراطه، فإذا جعلنا " صِرَاطاً مُسْتَقِيماً " نصباً على الحال، كانت الحالُ من هذا المحْذُوفِ ". انتهى، فتحصَّل في نصبه أربعةُ أوجه:

أحدها: أنه مفعول بـ " يَهْدِي " من غير تضمين معنى فعل آخر.

الثاني: أنه على تضمين معنى " يُعَرِّفُهُمْ ".

الثالث: أنه منصوبٌ بمحذوفٍ.

الرابع: أنه نصبٌ على الحال، وعلى هذا التقدير الذي قدَّره الفارسيُّ تقْرُبُ من الحالِ المؤكِّدة، وليس كقولك: " تَبَسَّمَ ضَاحِكاً "؛ لمخالفتِها لصاحبها بزيادة الصفةِ، وإن وافقته لفظاً، والهاءُ في " إلَيْهِ ": إمَّا عائدةٌ على " الله " بتقدير حذفِ مضافٍ؛ كما تقدَّم من نحو: " ثوابِ " أو " صِرَاطه " ، وإمَّا على الفضلِ والرحمة؛ لأنهما في معنى شيء واحد، وإما عائدةٌ على الفضل؛ لأنه يُراد به طريقُ الجنان.