الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

قوله - تعالى -: { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ } الآية لما أجَابَ عن شُبْهَة اليَهُودِ، [و] بين فَسَادَ طِرِيقهِم، ذَكَر خِطَاباً عَامّاً يَعُمُّهُم ويَعُمّ غَيْرُهم في الدَّعْوةِ إلى الإسلامِ.

قوله سبحانه: { بِٱلْحَقِّ }: فيه وجهان:

أحدهما: أنه متعلِّق بمحذوفٍ، والباءُ للحال، أي: جاءكُمُ الرسولُ ملتبساً بالحقِّ، أو متكلِّماً به.

والثاني: أنه متعلقٌ بنفس " جَاءَكُمْ " ، أي: جاءكم بسبب إقامةِ الحقِّ، والمراد بهذا الحق القرآنُ، وقيل: الدعوة إلى عبادة الله، والإعراض عن غيره، و " مِنْ ربِّكُمْ " فيه وجهان:

أحدهما: أنه متعلقٌ بمحذوف؛ على أنه حال أيضاً من " الحَقِّ ".

والثاني: أنه متعلقٌ بـ " جاء " ، أي: جاء من عند الله، أي: أنه مبعوثٌ لا متقوَّلٌ.

قوله تعالى: { فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ } في نصبه أربعة أوجه:

أحدها - وهو مذهب الخليل وسيبويه -: أنه منصوب بفعلٍ محذوفٍ واجب الإضمار، تقديره: وأتُوا خيراً لكم؛ لأنه لمَّا أمرهم بالإيمان فهو يريدُ إخراجهم من أمرٍ، وإدخالهم فيما هو خيرٌ منه، ولم يذكر الزمخشريُّ غيره؛ قال: " وذلك أنه لمَّا بعثَهم على الإيمان وعلى الانتهاءِ عن التثْلِيثِ، علم أنه يَحْمِلُهم على أمر، فقال: خيراً لكُمْ، أي: اقصِدوا وأتُوا أمراً خيراً لكم مما أنتم فيه من الكُفْر والتثليث ".

الثاني - وهو مذهب الفراء -: أنه نعت لمصْدر محذوف، أي: فآمنوا إيماناً خيراً لكم، وفيه نظر؛ من حيث أنه يُفْهِمُ أنَّ الإيمان منقسم إلى خير وغيره، وإلاَّ لم يكنْ لتقييده بالصفةِ فائدةٌ، وقد يُقالُ: إنه قد يكون لا يقولُ بمفهوم الصفة؛ وأيضاً: فإن الصفة قد تأتي للتأكيد وغير ذلك.

الثالث - وهو مذهب الكسائي وأبي عبيد -: أنه منصوب على خبر " كَانَ " المضمرة، تقديرُه: يكنِ الإيمانُ خيراً، وقد ردَّ بعضُهم هذا المذهب؛ بأنَّ " كَانَ " لا تُحْذَف مع اسمها دون خبرها، إلا فيما لا بدّ له منه، ويزيد ذلك ضعفاً أنَّ " يَكُن " المقدرة جوابُ شرطٍ محذوف، فيصيرُ المحذوفَ الشرطُ وجوابُه، يعني: أنَّ التقديرَ: إنْ تؤمنُوا، يَكُن الإيمانُ خيراً، فحذَفْتَ الشرط، وهو " إنْ تُؤمِنُوا " وجوابه، وهو " يَكُن الإيمَانُ " وأبقيتَ معمولَ الجواب، وهو " خَيْراً " ، وقد يقال: إنه لا يحتاج إلى إضمار شرطٍ صناعيٍّ، وإن كان المعنى عليه؛ لأنَّا ندَّعِي أن الجزْم الذي في " يَكُنِ " المقدرةِ، إنما هو بنفس جملة الأمر التي قبله، وهو قوله: " فآمِنُوا " من غير تقدير حرفِ شرطِ، ولا فعلٍ له، وهو الصحيحُ في الأجوبة الواقعة لأحد الأشياء السبعة، تقول: " قُمْ أكْرِمْكَ " ، فـ " أكْرِمْكَ " جواب مجزومٌ بنفس " قُمْ "؛ لتضمُّن هذا الطلب معنى الشرط من غير تقدير شرط صناعيٍّ.

السابقالتالي
2