الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

قد تقدَّمَ الكلام على { إِنَّمَا } في أول البقرة [آية 11] وما قيل فيها.

و " التوبة " ، مبتدأ وفي خبرها وجهان:

أظهرهما: أنَّهُ " على الله " ، أي: إنَّمَا التَّوْبَةُ مستقرّة على فضل اللَّهِ، ويكون " للذين " متعلقاً بما تَعَلَّقَ به الخبر.

وأجاز أبُو البقاء: عند ذِكْرِه هذا الوجه أن يكون " للذين " متعلقاً بمحذوف على أنه حال، قال: فعلى أن يكون { لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ } حالاً من الضّمير في الظّرف وهو " على الله " ، والعاملُ فيها الظّرفُ أو الاستقرار، أي: كائنةً لِلَّذين، ولا يجوز أن يكون العاملُ في الحال " التوبة "؛ لأنَّه قَدْ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بالخبر، وهذا فيه تكلُّفٌ لا حاجةِ إليه.

الثّاني: أن يكون الخبر " للذين " و " على الله " متعلّق بمحذوف على أنَّهُ حال من شيءٍ محذوف، والتقديرُ: إنما التَّوبة إذا كانت - أو إذْ كانت - على اللَّهِ للذين يعملونَ فـ " إذا " و " إذ " معمولان لـ " الذين " لأن الظَّرْف يتقَدَّمُ على عامله المعنوي و " كان " هذه هي التَّامَّة، وفاعلها هو صاحب الحال، ولا يجوز أن يكون { عَلَى ٱللَّهِ } حالاً من الضَّمير المستتر في { لِلَّذِينَ } والعامل فيها { لِلَّذِينَ }؛ لأنَّهُ عاملٌ معنويٌّ، والحال لا تتقدَّمُ على عاملها المعنوي، هذا ما قاله أبُو البقَاءِ وَنَظَّر هذه المسألة بقولهم: " هذا بُسْراً أطْيَبُ منه رُطَباً " يعني: أنَّ التَّقدير: إذا كان بُسْراً أطيبُ منه إذا كان رُطباً.

وفي هذه المسألة أقْوَالٌ كثيرة مضطربة لا يحتملها هذا الكتاب وقدر أبو حيان مضافين حُذفا من المبتدأ والخبر، فقال: التَّقدِيرُ: إنَّمَا قَبُولُ التوبة مترتب على [فضل] اللَّهِ فـ " على " باقية على بابها يعني من الاستعلاء

قوله: { بِجَهَالَةٍ } فيه وجهان:

أحدهما: أنْ يتعلّق بمحذوف على أنَّهُ حال من فاعل { يَعْمَلُونَ } ، ومعناها المصاحبة أي: يعملون السُّوء متلبسين بجهالةٍ، أي: مصاحبين لها، ويجوز أن يكون حالاً من المفعول، أي: ملتبساً بجهالة، وفيه بُعْدٌ وتَجَوُّزٌ.

والثاني: أن يتعلق بـ { يَعْمَلُونَ } على أنَّها باء السّببية.

قال أبُو حيَّان: أي الحامل لهم على عمل السُّوء هو الجهالة، إذْ لو كانوا عالمين بما يترتَّب على المعصية متذكرين له حال عملها لم يُقْدِمُوا عليها كقوله: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " لأنَّ العقل حينئذ يكون مَغْلُوباً أو مَسْلُوباً.

فصل

لما ذكر في الآية الأولى أنّ المرتكبين للفاحشة إذا تابا وأصلحا زال عنهما الإيذاء، وأخبر على الإطلاق أنّه توابٌ رحيمٌ، ذكر هنا وقت التّوبة وشرطها بشرطين:

أحدهما: قوله { لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ } وفيه إشكالان:

الإشكال الأوَّلُ: أن من عمل ذنباً ولم يعلم أنَّهُ ذنب لم يستحق عقاباً؛ لأنَّ الخطأ مرفوع عن الأمَّةِ، فعلى هذا الَّذين يعملون السُّوء بجهالة لا حاجة بهم إلى التَّوبة.

السابقالتالي
2 3 4