الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلَٰلاً بَعِيداً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً } * { إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً }

قوله - تعالى -: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } الآية والجمهورُ على " وَصَدُّوا " مبنيًّا للفاعل، وقرأ عكرمة وابن هُرْمُزٍ: " وَصُدُّوا " مبنيًّا للمفعول، وهما واضحتانِ، وقد قرئ بهما في المتواترِ في قوله:وَصُدُّواْ } [الرعد: 33] في الرعْد، ووَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } [غافر: 37] في غافر.

والمراد كَفَرُوا بقوْلِهِم: لو كان رَسُولاً، لأتى بِكِتَابٍ دَفْعَةً واحِدَةً من السَّماءِ؛ كما أنْزِلَت التوراة على مُوسَى؛ وقولهم: إنَّ الله - تعالى - ذكر في التَّوْرَاةِ؛ أنَّ شَريعَة موسى لا تُبَدَّلُ ولا تُنْسَخُ إلى يَوْمِ القيامَةِ، وقولهم: إنَّ الأنْبِيَاء لا يَكُونُون إلاَّ مِنْ وَلَد هَارُونَ وَدَاوُد، وصَدِّهم عن سَبيلِ اللَّهِ: بِكِتْمَان نَعْت مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم.

{ قَدْ ضَلُّواْ ضَلاَلاً بَعِيداً } ، إلا أنَّ أشدَّ النَّاس ضلالاً من كَان يَعْتَقِدُ في نَفْسِهِ أنَّه مُحِقٌّ، ثم يَتَوَسَّلُ بذلك الضَّلال إلى اكْتِسَابِ المالِ والجَاهِ، ثم يَبْذُلَ جَهْدَهُ في إلْقَاءِ غيره في مِثْلِ ذلِك الضَّلالِ، فهذا قَدْ بَلَغَ في الضَّلاَلِ إلى أقْصَى الغَايَاتِ.

ولمَّا وصف الله ضلالهُم، ذكر وعيدَهُم؛ فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ } بِكِتْمَان نَعْتِ مُحمَّد [صلى الله عليه وسلم]، وظلموا أتْبَاعَهُم بإلْقَاءِ الشُّبُهَاتِ { لَّمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ } ، وقد تقدَّم الكلامُ على قوله " لِيَغْفِر لَهُم " وأن الفِعْلَ مع هَذِهِ اللاَّم أبْلَغُ مِنْهُ دُونَهَا.

واعلم أنَّا إن حَمَلْنَا قوله: " إِنَّ الذينَ " على المَعْهُود السَّابِقِ لم يَحْتَجْ إلى إضْمَارِ شَرْطٍ في هذا الوَعِيد على أقْوَامٍ علِمَ اللَّهُ منْهُمْ أنَّهُم يمُوتُون على الكُفْرِ.

وإنْ حَمَلْنَاهُ على الاسْتِغْرَاقِ، أضَمَرْنَا فيه شَرْطَ عَدَم التَّوْبَةِ.

قوله سبحانه: { وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ } في هذا الاسْتِثْنَاء قولان:

أحدهما: أنه اسْتِثْنَاء مُتَّصِلٌ، لأن [المُرَادَ] بالطَّرِيق الأوَّلِ: العُمُوم، فالثَّانِي من جِنْسِهِ.

والثاني: أنه مُنْقَطِعٌ إن أُريد بالطَّرِيق شَيْءٌ مَخْصُوصٌ؛ وهو العمل الصَّالِحُ الذي يَتَوَصَّلُون به إلى الجَنَّة، وانْتَصَب " خَالِدِين " على الحَالِ، والعَامِلُ فيه مَعْنَى " لا يهديهم اللَّه "؛ لأنه بِمَنْزِلَةِ: يُعَاقِبهُم خَالِدِين، وانْتَصَب " أبَداً " على الظَّرْفِ، { وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } أي: لا يتعذَّر عليْه شيءٌ.