الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً }

{ وَٱللَّذَانَ } الكلام عليه كالكلام على " اللاتي " إلاَّ أن في كلام أبي البقاء ما يوهمُ جواز الاشتغال فيه فإنه قال: الكلام في " اللذان " كالكلام في " اللاتي " إلاَّ أنَّ مَنْ أجاز النَّصب يَصِحُّ أن يقدِّرَ فعلاً من جنس المذكور، تقديره: أذُوا اللذين ولا يجوز أن يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها هاهنا، ولو عَرِيَ من الضَّمير، لأنَّ الفاء هنا في حكم الفاء الواقعة في جواب الشرط، وتلك يقطع ما بعدها عما قبلها، فقوله: " من أجاز النصب " يحتملُ من أجازه النَّصب المتقدِّم في " اللاتي " بإضمار فعلٍ لا على سبيل الاشتغال كما قدَّره هو بنحو " اقصدوا " ويحتمل من أجاز النَّصب على الاشتغال من حيث الجملة، إلاَّ ان هذا بعيدٌ؛ لأنَّ الآيتين من وادٍِ واحدٍ، فلا يُظَنُّ به أنَّهُ يمنع في إحداهما ويجيزُ في الأخرى، ولا ينفع كون الآية فيها الفعل الذي يفسّر متعدّ بحرف جرّ والفعلُ الَّذي في هذه الآية مُتَعَدٍّ بنفسه، فيكون أقوى، إذ لا أثر لذلك في باب الاشتغال. والضمير المنصوب في " يأتيانهما " للفاحشة.

وقرأ عبد الله " يأتين بالفاحشة " ، أي: يَجئْنَ، ومعنى قراءة الجمهور " يَغْشَيْنَها ويخالطنها ".

وقرأ الجمهور " واللذان " بتخفيف النُّون.

وقرأ ابن كثير " واللذانِّ " هنا " واللذينِّ " في السجدة [آية 29] بتشديد النون، ووجهها جعل إحدى النونين عوضاً من الياء المحذوفة الَّتي كان ينبغي أن تبقى، وذلك أن " الَّذي " مثل " القاضي " ، و " القاضي " تثبت ياؤه في التثنية فكان حقّ [ " ياء " ] " الَّذي " و " الَّتي " أن تثبت في التثنية، ولكنهم حَذَفُوها، إمَّا لأنَّ هذه تثنيةٌ على غَيْرِ القياس؛ لأنَّ المبهماتِ لا تُثَنَّى حقيقةً، إذ لا يثنى ما يُنَكَّر، والمبهمات لا تنكر، فجعلوا الحذف منبهةً على هذا، وإمَّا لطولِ الكلاَمِ بِالصِّلَةِ.

وزعم ابنُ عصفور أنَّ تشديد النُّون لا يجوزُ إلاَّ مع الألفِ كهذه الآية، ولا يجوز مع الياء في الجرّ والنّصب.

وقراءة ابن كثير في " حم " السجدةأَرِنَا ٱللَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا } [فصلت: 29] حجةٌ عليه.

قال ابن مقسم: إنَّمَا شدّد ابن كثير هذه النّونات لأمرين:

أحدهما: الفرق بين تثنية الأسماء المتمكنة وغير المتمكنة، والآخر: أن " الّذي وهذا " مبنيان على حرفٍ واحدٍ وهو الذَّال، فأرادوا تقوية كل واحد منهما، بأن زادوا على نونها نوناً أخرى من جنسها.

وقيل: سبب التّشديد فيها أنَّ النون فيها ليست نون التّثنية فأرادوا أن يفرِّقوا بينها وبين نون التثنية.

وقيل: زادوا النُّون تأكيداً كما زادوا اللام.

السابقالتالي
2