الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً }

لما ذكر فَضَائِح اليَهُود وقبحَ أفْعَالِهِم، وأنَّهم قَصَدُوا قَتْل عِيسَى عليه الصلاة والسلام، وأنَّه لم يَحْصُل لهم ذَلِكَ المَقْصُود، وأنَّ عيسى - عليه السلام - حَصَل له أعْظَمُ المَنَاصِبِ، بَيَّن أن هؤلاء اليهُود الذين بَالَغُوا في عَدَاوَتِهِ، لا يَخْرُجُ أحَدٌ مِنْهُم من الدُّنْيَا إلا بَعْدَ أن يُؤمِنَ به، فقال: { وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } ، " إنْ " هنا نافيةٌ بمعنى " مَا " ، و " مِنْ أهْلِ " يجوز فيه وجهان:

أحدهما: أنه صفة لمبتدأ محذوف، والخبرُ الجملةُ القسمية المحذوفة وجوابها، والتقدير: وما أحدٌ من أهل الكتاب إلاَّ واللَّهِ ليُؤمِننَّ به، فهو كقوله:وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [الصافات: 164]، أي: ما أحدٌ مِنَّا، وكقوله:وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } [مريم: 71] أي: مَا أحَدٌ مِنْكُمْ إلاَّ وَارِدُها، هذا هو الظاهر.

والثاني - وبه قال الزمخشري وأبو البقاء -: أنه في محلِّ الخبر، قال الزمخشري: " وجملة " لَيُؤْمِنَنَّ به " جملةٌ قسمية واقعة صفة لموصوف محذوف، تقديره: وَإنْ مِنْ أهْلِ الكِتاب أحَدٌ إلاَّ ليُؤمِنَنَّ بِهِ، ونحوه: { وما منا إلا له مقام معلوم } { وإن منكم إلا واردها } ، والمعنى: " وما من اليهود أحَدٌ إلاَّ ليُؤمنَنَّ " ، قال أبو حيان: " وهو غلطٌ فاحشٌ؛ إذ زعم أن " لَيُؤْمِنَنَّ بِه " جملة قسمية واقعةٌ صفةً لموصوف محذوف إلى آخره، وصفة " أحَد " المحذوف إنما الجار والمجرور؛ كما قَدَّرناه، وأمَّا قوله: " لَيُؤْمِنَنَّ بِه " ، فليستْ صفةً لموصوف، ولا هي جملة قسمية، إنما هي جملة جواب القَسَم، والقسم محذوفٌ، والقسمُ وجوابُه خبر للمبتدأ، إذ لا ينتظم من " أحَد " ، والمجرور إسناد؛ لأنه لا يفيد، وإنما ينتظم الإسنادُ بالجملة القسمية وجوابها، فذلك هو مَحَطُّ الفائدةِ، وكذلك أيضاً الخبرُ هو { إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ } ، وكذلك " إِلاَّ وَارِدُهَا "؛ إذ لا ينتظم مما قبل " إلاَّ " تركيب إسناديٌّ ". [قال شهاب الدين] وهذا - كما تَرَى - قد أساء العبارة في حق الزمخشريِّ؛ بما زعم أنه غلط، وهو صحيح مستقيم، وليت شعري كيف لا ينتظم الإسنادُ من " أحَد " الموصوفِ بالجملة التي بعده، ومن الجارِّ قبله؟ ونظيرُه أن تقول: " مَا فِي الدَّارِ رَجُلٌ إلاَّ صَالِحٌ " فكما أن " فِي الدَّار " خبر مقدَّم، و " رَجُلٌ " مبتدأ مؤخر، و " إلاَّ صَالِحٌ " صفته، وهو كلامٌ مفيد مستقيمٌ، فكذلك هذا، غايةُ ما في الباب أنَّ " إلاَّ " دخلت على الصفة؛ لتفيدَ الحصْر، وأما ردُّه عليه حيث قال: جملةٌ قسميَّة، وإنما هي جوابُ القسَم، فلا يَحْتاجُ إلى الاعتذار عنه، ويكفيه مثلُ هذه الاعتراضاتِ.

السابقالتالي
2 3