الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً }

الدَّرْك: قرأ الكوفيُّون - بخلاف عن عاصمٍ - بسكون الراء، والباقون بفتحها، وفي ذلك قولان:

أحدهما: أنَّ الدَّرْك والدَّرَكِ لغتان بمعنى واحدٍ، كالشَّمْعِ والشَّمَعِ، والقَدْرِ والقَدَرِ.

والثاني: أن الدَّرَكَ بالفتح جمعُ " دَرَكَة " على حدِّ بَقَر وبَقَرة.

وقال أبو حاتم: جَمْع الدَّرْكِ: أدْرَاك؛ مثل حَمْل وأحْمَال، وفَرْس وأفراس وجمع الدرك: أدْرُك؛ مثل أفْلُس وأكْلُب.

واختار أبو عُبيد الفتح، قال: لأنه لم يَجِىءْ في الآثار ذكرُ " الدَّرَك " إلا بالفتحِ، وهذا غيرُ لازمٍ لمجيء الأحاديثِ بإحدى اللغتين، واختار بعضهم الفتح؛ لجمعه علَى أفعال قال الزمخشريُّ: " والوجهُ التحريكُ؛ لقولهم: أدْرَاكُ جَهَنَّمَ " ، يعني أنَّ أفْعَالاً منقاسٌ في " فَعَلٍ " بالفتحِ، دونَ فَعْل بالسكون، على أنه قد جاء أفعالٌ في فعْلٍ بالسكون؛ نحو: فَرْخٍ وأفراخ، وزنْدٍ وأزنَادٍ، وفَرْدٍ وأفْرَادٍ، وقال أبو عبد الله الفاسيُّ في شرحِ القصيدِ: " وقال غيرُه - يعني غيرَ عاصم -؛ محتجاً لقراءة الفتحِ؛ قولهم في جمعه: " أدْرَاك " يدُلُّ على أنه " دَرَكٌ " بالفتح، ولا يلزمُ ما قال أيضاً؛ لأن فعلاً بالتحريك قد جُمِعَ على أفعالٍ، كقَلَمٍ وأقْلاَمٍ، وجَبَل وأجْبَالٍ " انتهى، وهذه غفلةٌ منه؛ لن المتنازع فيه إنما هو فعْلٌ بالتسكين: هل يُجمعُ على أفعالٍ، أم لا؟ وأما فعَل بالتحريك فأفعالٌ قياسه، وكأنه قصد الردَّ على الزمخشريَّ، فوقع في الغلطِ، وكان ينبغي له أن يقول: وقد جُمِعَ فعلٌ بالسكون على أفعالٍ نحو: فَرْخٍ وأفْرَاخٍ، كما ذكرته لك، وحُكِيَ عن عاصم أنه قال: " لو كان " الدَّرَكُ " بالفتح، لكان ينبغي أن يقال السُّفْلى لا الأسفل " قال بعض النحويِّين: يعني أنَّ الدَّرَك بالفتح جمع " دَرَكَة "؛ كبَقَرٍ جمع بقَرَةٍ، والجمعُ يُعامَلُ معاملةَ المؤنثة، وهذا غيرُ لازم؛ لأنَّ اسم الجنس الفارقُ بين واحده وجمعه تاءُ التأنيث يجوز تذكيرُه وتأنيثه، إلا ما استُثني وجوبُ تذكيره أو تأنيثه، والدَّرَكُ ليس منه، فيجوزُ فيه الوجهان، هذا بعد تسليم كون " الدَّرْكِ " جمع " دَرَكَةٍ " بالسكون كما تقدم، والدَّرَكُ مأخوذٌ من المُداركة، وهي المتابعةُ، وسُمِّيَتْ طبقاتُ النارِ " دَرَكَاتٍ "؛ لأنَّ بعضها مَدَارِكُ لبعض، أي: متتابعة.

قوله: " من النَّارِ " في محلَّ نصب على الحال، وفي صاحبها وجهان:

أحدهما: أنه " الدَّرْك " ، والعامل فيها الاستقرار.

والثاني: أنه الضميرُ المستتر في " الأسْفَل "؛ لأنه صفةُ، فيتحمل ضميراً.

قال الليث: الدَّرْكُ أقْصَى قعْر الشيء؛ كالبَحْر ونحوه، فعلى هذا المُرَاد بالدَّرْكِ الأسْفَل: أقْصَى قعر جَهَنَّم، وأصْلُ هذا من الإدْرَاكِ بمعنى اللُّحُوق، ومنه إدراكُ الطَّعَام وإدْراكُ الغُلاَمِ، قال الضحاك: [الدَّرج] إذا كان بَعْضُها فوقَ بَعْضٍ، والدَّرك إذا كانَ بعضها أسْفَل مِنْ بَعْضٍ.

السابقالتالي
2 3