قرأ الجماعة: " نُزِّل " مبنياً للمفعول، وعاصم ويعقوب قَرَآه " نَزَّلَ " مبنياً للفاعِل، وأبو حَيْوة وحُميد: " نَزَل " مخففاً مَبْنياً للفاعِل، والنخعي: " أُنْزِل " بالهَمْزَة مبنياً للمفعُول. والقائمُ مقامَ الفاعِل في قراءة الجَمَاعة والنَّخعي، هو " أنْ " وما في حيِّزها، أي: وقد نَزَّل عليْكُم المَنْعَ من مُجَالستِهِم عند سَماعِكم الكُفْر بالآيَات، والاسْتِهْزَاء بها. وأمّا في قراءة عاصمٍ: فـ " أنْ " مع ما بعدها في مَحَلِّ نصبٍ مفعولاً به بـ " نزَّل " ، والفاعل ضميرُ الله - تعالى - كما تقدَّم. وأما في قِرَاءة أبي حَيْوة وحمَيد: فمحَلُّها رفعٌ بالفاعِليّة لـ " نزل " مخففاً، فمحَلُّها: إمّا نَصْب على قِرَاءة عَاصِمٍ، أو رَفْع على قِراءة غيره، ولكن الرَّفْع مختلف. فصل قال المفسِّرون: المَعْنَى: وقد نَزَّل عليكم يا معشر المُؤمنين، { أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ } يعني: القُرْآن { يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم } يعني: مع المُسْتَهْزِئين { حتى يخوضوا في حديث غيره } ، وذلك أنَّ المُشركِينَ كانُوا يخوضُونَ في مُجَالَسَتِهم في ذِكْر القُرْآن، يستَهْزِئُون به، فأنْزَل الله - تعالى -{ وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } [الأنعام: 68] وهذه الآية نَزَلَتْ في مَكَّة. ثم إن أحْبَار اليهُود بالمدينَة، كانوا يَفْعَلُون فعل المُشْرِكِين، وكان المُنافِقُون يَقْعُدون معهُم، ويُوافِقُونهم على ذلك، فقال - تعالى - مُخَاطِباً لَهُم: { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها } والمعنى: إذا سَمِعْتُم الكُفْر بآيَات اللَّه والاستهزاء بِهَا، لكنَّه أوْقع فعل السماع على الآية، والمُراد بها: سَمَاع الاسْتِهْزَاء. قال الكسَائِيُّ: هو كما يُقَال: سَمِعْت عَبْد اللَّه يُلاَم. قال ابن الخطِيب: وعندي فيه وَجْه آخَر: وهو أنْ يَكُون المَعْنَى: إذا سَمِعْتُم آيَاتِ اللَّه حَالَ ما يُكْفَر بها ويستهزأ بها، وعلى هذا فلا حَاجَة لما قاله الكسَائِيُّ. قوله: " أنْ إذَا " " أن " هذه هي المُخَفَّفةُ من الثَّقيلة، واسمُهَا: ضِمِير الأمْر والشَّأن، أي: أنَّ الأمْر والشأن إذا سَمعْتُم الكُفْر والاسْتهْزَاء، فلا تَقْعُدُوا. قال أبو حيان: وما قَدَّره أبو البقاء من قوله: " أنَّكُم إذا سَمِعْتُم " ليس بجَيِّد، لأن " أن " المخففة لا تَعْمَل إلاَّ في ضِمِير الشَّأن، إلا في ضرورةٍ؛ كقوله: [الطويل]
1888- فَلَوْ أنْكِ فِي يَوْمِ الرَّخَاءِ سألْتِني
طَلاَقَكِ لَمْ أبْخَلْ وَأنْتِ صَدِيق
قال شهاب الدين: هكذا قال، ولم أره أنا في إعراب أبِي البَقَاءِ إلا أنَّه بالهَاءِ دون الكَافِ والمَيم، والجملةُ الشَّرْطِية المُنْعَقدةُ من " إذا " وجوابها في مَحَلِّ رَفْع، خَبَراً لـ " أنْ " ، ومن مَجِيء الجُمْلة الشرطيَّة خبراً لـ " أنْ " المُخَفَّفَة: قوله: [الكامل]