الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً }

قرأ أبو جَعْفَر المَدَنِي { [لَّيْسَ] بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ } بتخفيف الياء فيهما جميعاً، واعلم: أن " لَيْسَ " فعْلٌ، فلا بد من اسْمٍ يكون هو مُسْنداً إليه، وفيه خلافٌ:

فقيل: يَعُود ضَمِيرُها على مَلْفُوظٍ به، وقيل: يَعُود على ما دَلَّ عليه اللَّفْظُ من الفِعْل وقيل: يَدُلُّ عليه سَبَبُ الآيَةِ.

فأمَّا عوَدْهُ على مَلْفُوظٍ بِهِ فقيل: هو الوَعْدُ المتقدِّم في قوله: " وعد الله " وهذا اختيار الزَّمَخْشَرِي؛ قال: " في لَيْس ضَمِيرُ وعدِ الله أي: لَيْس يُنالُ ما وعد الله من الثَّواب بأمانِيِّكم ولا بأمَاني أهل الكِتَابِ، والخطابُ للمُسْلِمين؛ لأنَّه لا يُؤمن بوعِد الله إلا مَنْ آمَن بِهِ ".

وأمَّا عَوْدُه على ما يَدُلُّ عليه اللَّفْظ، فقيل: هو الإيمان المَفْهُومُ من قوله: " والذين آمنوا " وهو قولُ الحسن، وعنه: " ليس الإيمانُ بالتَّمَنِّي ".

وأمَّا عودُه على ما يَدُلُّ عليه السَببُ، فقيل: يعودُ على مُجَاوَرةِ المُسْلِمِين مع أهلِ الكِتَابِ، وذلك أنَّ بعضهم قال: " دينُنا قبل دينِكُم، ونبيُّنَا قبل نَبيِّكم؛ فنحن أفضلُ " ، وقال المُسْلِمُون: " كتابُنا يَقْضِي على كِتابِكم، ونبينا خَاتَمُ الأنْبِياء " فنزلت.

وقيل: يعودُ على الثَّوابِ والعِقَاب، أي: ليس الثَّوَابُ على الحَسَنَاتِ، ولا العقابُ على السيّئات بأمانيكم.

وقيل: قالت اليهودُنَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [المائدة: 18]، ونحن أصْحَاب الجَنَّة، وكذلك النَّصَارى، وقالت كُفَّار قُرَيْش: لا نُبْعَثُ؛ فنزلت، أي: ليس ما ادَّعَيْتُمُوه يا كُفَّارَ قريش بأمانيِّكم.

وقرأ الحسن، وأبُو جَعْفَر، وشَيْبةُ بن نصاح، والحَكَم، والأعْرَج: " أمانيكم " ، " ولا أمَانِي " بالتَّخْفِيف كأنَّهم جَمَعُوه على فَعَالِل دون فَعَالِيل؛ كما قالوا: قَرْقُور وقراقير وقراقِر، والعرب تُنْقِصُ من فَعَالِيل اليَاء، كما تزيدُها في فَعَالِل، نَحْو قوله:
1881-............................   ............... تَنْقادَ الصَّيَارِيفِ
فصل

قال مَسْرُوق، وقتادة، والضَّحَّاك: أراد: ليس بأمَانِيِّكم أيها المُسْلِمُون ولا أمَانيِّ أهل الكِتَاب، يعني: اليَهُودَ والنَّصارى؛ وذلك أنَّهم افْتَخَرُوا، فقال أهْلُ الكتاب: نَبِيُّنَا قَبْل نبِيِّكُم، وكِتَابُنَا قبل كِتَابِكُم، فنحن أوْلَى باللَّه مِنْكُم.

وقال المُسْلِمُون: نبينا خاتمُ الأنْبِيَاء، وكتابُنَا يَقْضِي على الكُتُب وقد آمَنَّا بكتابِكُم، ولم تُؤمنوا بِكتابِنَا؛ فنحن أولى.

وقال مُجَاهِد: الآية خطاب لِعَبَدَة الأوْثان، يعني: مُشرِكِي أهل مَكَّة، وذلك أنَّهم قالوا: لا بَعْث ولا حِسَابَ، وقال أهل الكِتَاب:لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } [البقرة: 80]، ولَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [البقرة:111]، فأنزل اللَّه الآية، وإنما الأمْر بالعَمَل الصَّالِح.

قوله: { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ }: جملة مُسْتأنفة مؤكِّدةٌ لحكم الجُمْلَة قبلها.

قالت المُعْتَزِلَةُ: هذه الآية دالَّة على أنَّه [- تعالى -] لا يعفُو عن شَيْءٍ من السَّيِّئَات.

وليس لِقَائِل أن يقُول: هذا يُشْكِلُ بالصَّغَائِر، فإنها مَغْفُورَةٌ.

فالجواب عنه من وَجْهَيْن:

الأول: أن العَامَّ بعد التَّخْصِيص حُجَّة.

السابقالتالي
2 3 4