الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ هَٰأَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ جَٰدَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَمَن يُجَٰدِلُ ٱللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً }

" هَا " للتَّنْبِيه في " أنْتُم " ، و " هؤلاءِ ": مُبْتَدأ وخَبَر " جَادَلْتُم " جُمْلَة مبينة لِوُقُوع " أولاء " خبراً؛ كما تَقُول لِبْعضِ الأسْخِيَاءِ: أنْتَ حَاتِمٌ تجود بِمَالِك، وتُؤثِر على نَفْسك، ويجُوز أن يكون " أولاء " اسماً مَوْصُولاً، بمعنى: الَّذِين، و " جادلْتُم " صلة وتقدَّم الكَلاَم على نَحْو { هَا أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ } ، والجِدَال في اللُّغَة [عبارة] عَنْ شِدَّة المخَاصَمَةِ من الجَدَل وهو شدة الفتل، وجَدْل الحَبْل: شدَّة فتله، ورَجُل مَجْدُول كأنه فُتل، والأجْدَل: الصَّقر؛ لأنَّه [من] أشَدِّ الطُّيُور قُوَّة؛ هذا قَوْل الزَّجَّاج، والمَعْنَى: أن كل وَاحِدٍ [من الخَصْمَيْن] يريد فَتْل خَصْمه عن مَذْهَبه، وصَرْفَه عن رَأيه بِطَريق الحجاج، وقيل: الجِدَال من الجِدَالةِ، وهذا خِطَاب مع قَوْم من المُؤمنين، كانوا يذبُّون عن طعمة وَعن قوْمِهِ: بسبب أنهم كَانُوا في الظَّاهِرِ مسلِمين، والمعنى: هَبُوا أنَّكم خَاصَمتُم عن طعمة وقَوْمِهِ في الدُّنْيَا، فمن يُخَاصِم عَنْهم في الآخِرة إذَا أخَذَهم اللَّه بِعَذَابِه.

وقرأ أبيُّ بن كَعْب، وعَبْد الله بن مَسْعُود: " وجَادَلْتُم عَنْه " يعني: طعمة.

وقوله: { فَمَن يُجَادِلُ ٱللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ }: استفهام تَوْبيخٍ وتَقْريعٍ، و " من " استِفْهَامِيَّة في محلِّ رفع بالابتداء، و " يُجَادِلُ ": خبره، وقوله: { أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } أم: مُنقَطِعَة وليست بعاطِفَةِ، وظاهر عِبَارَة مَكِّي: أنها عاطفة، فإنَّه قال: و " أمَّنْ يكُونُ " مثلها [عطف عليها، أي: مثل " مَنْ " في قوله: " فَمَنْ يُجَادِلُ " وهو في محَلِّ نظرٍ؛ لأن في المنقطعة خِلافاً، هل تُسمَّى عاطِفَة أم لا]، والوكيل الكفيل الذي وُكِّلَ إليه الأمْرُ في الحفظ والحماية و " على " هنا بمعنى اللام والمعنى: أمَّنْ يكون لهم وكيلاً، أي من النبي يذب عنهم، ويتولّى أمرهم، ويحميهم من عَذَاب الله يوم القيامة.