الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوۤاْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَىۤ أَن تَضَعُوۤاْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }

كما بيَّن قَصْر الصَّلاة يحَسبِ الكَمَِّيَّة في العَدَدِ، بين في هذه الآيَة كَيْفِيَّتَها، والضَّمِير في " فِيهِم " يعُود الضَّاربين في الأرضِ، وقيل على الخَائِفَين.

روى الكَلْبِيُّ، عن أبِي صَالح؛ عن ابن عبَّاس، وجابر - رضي الله عنهم -: أن المُشْرِكِين لَمَّا رأوْا رسُول الله صلى الله عليه وسلم وأصْحَابَهُ قاموا في الظُّهْر يُصَلُّون جميعاً، نَدِمُوا ألاّ كَانُوا أكبُّوا عليهم، فقال بَعْضُهم لبعضٍ: دَعْهم فإنَّ لهم بَعْدَها صَلاة هي أحَبُّ إليهم من آبَائِهِم وأبْنَائِهِم، يعني: صَلاَة العَصْر، فإذا قَامُوا فيها فَشُدُّوا عليهم، فاقْتُلُوهم؛ فنزل جِبْرِيل فقال: يا محمَّد إنَّها صلاة الخَوْفِ، وإن الله - عز وجل - يقُول: { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ } فعلَّمه صَلاَةَ الخَوْفِ.

فصل: هل صلاة الخوف خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم

قال أبُو يُوسف، والحَسَن بن زِيَاد: صلاة الخَوْف كانت خَاصَّة للرسول - عليه الصلاة والسلام -، ولا تجُوز لغيره؛ لقوله - تعالى -: { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ }.

وقال المُزَني: كانت ثَابِتَةً ثم نُسِخَتْ، ومذهب الجُمْهُور: ثُبوتُها في حقِّ كل الأمَّة؛ لقوله - تعالى -:وَٱتَّبِعُوهُ } [الأعراف: 158] وأن حكمها باقٍ، وقد ورد كيفيَّة صَلاَة الخَوْفِ على سِتَّة أوْجُه مذكُورة في كُتُبِ الفِقْهِ.

قال أحْمد بن حَنْبَل: كُلُّ حَدِيثٍ رُوِيَ في أبْواب صَلاةِ الخَوْفِ، فالعَمَل به جَائِزٌ، روي فيه سِتَّةُ أوْجُه، أو سبْعَة أوْجُه.

قوله: { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ } أي: شَهِيداً مَعَهُم في غَزَواتهم، { فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ } أي: فَلْتَقِفْ؛ كقوله - تعالى -:وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } [البقرة: 20] أي: وَقَفُوا، والمعنى: فاجْعَلْهم طَائِفَتَيْن، فَلْتَقُم طَائِفة منهم مَعَك، فَصَلِّ بهم.

وقرأ الحسن " فَلِتَقُمْ " بِكَسْر لاَمِ الأمْر وهو الأصْل، " وليأخذوا أسلحتهم " والضَّمير: إمَّا للمُصَلِّين، أو لغيرهم، فإنَ كان للمُصَلِّين، [فقالوا]: يأخُذُون من السِّلاح ما لا يَشَغلُهُم عن الصَّلاة؛ كالسَّيْف والخنجَر؛ لأن ذلك أقْرَب إلى الإحْتِيَاط، وأمْنَع للعدُوِّ من الإقْدَام عَلَيْهِم، وإن كان لِغَيْر المُصَلِّين، وهُم الطَّائِفَةُ الأخْرى التي تَحْرُس المُصَلِّين، فلا كَلاَمَ.

واحتار الزَّجَّاج عَوْدَه على الجَميع، قال: " لأنه أهْيَب للعَدُوَِّ ". والسِّلاح: ما يُقَاتَل به، وجمعه أسْلِحَة وهو مُذكَّر، وقد يُؤنَّث باعْتِبَار الشَّوْكَة، قال الطِّرمَّاحُ: [الطويل]
1876- يَهُزُّ سِلاحاً لَمْ يَرِثْهَا كَلاَلَةً   يشُكُّ بِهَا مِنْهَا غُمُوضَ المَغَابِنِ
فأعاد الضَّمير عليه كَضَمير المؤنَّثة، ويقال: سلاح كحِمَار، وسِلْحٌ كضِلْع، وسُلَح كصُرَد، وسُلْحَان كسُلْطان؛ نقله أبو بكر دُرَيْد. والسَّلِيحُ: نبت إذا رَعَتْه الإبل، سَمِنَتْ وغَزُرَ لبنُها، وما يُلْقيه البَعِيرُ من جَوْفِه، يقال له: " سُلاحٌ " بزنة غُلام، ثم عُبِّر عن كُلِّ عَذِرة، حتى قيل في الحُبَارَى، " سِلاحُه [سُلاحُه] ".

ثم قال - تعالى -: { فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ } يعني: غير المُصَلِّين من وَرَائِكُم يَحْرُسُونكم يريد: مكان الَّذِين هم تجاه العَدُو، ثم قال - [تعالى] -: { وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ } وهم الَّّذِين كانُوا في تجاه العَدُوِّ، وقرأ أبو حَيْوة: " وليأتِ " بناء على تذكيرِ الطَّائِفَةِ، ورُوِيَ عن أبِي عَمْرو: الإظْهَارُ والإدْغَامُ في " ولتأتِ طَائَفَةٌ ".

السابقالتالي
2 3 4