الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً }

لما ذَكَرَ الجِهَاد ذَكَرَ أحد الأمُور التي يَحْتَاج إليها المُجَاهِد، وهو مَعْرِفَة كَيْفِيَّة أداء الصَّلاةِ في الخَوْف، والاشْتِغَال بمُحارَبَة العَدُوِّ.

" أن تقصروا ": هذا على حَذْفِ الخَافِضِ، أي: في أن تَقْصُرُوا، فيكونُ في مَحَلِّ " أنْ " الوَجْهَان المَشْهُوران، وهذا الجَارُّ يتعلَّقُ بلفظِ " جُنَاح " أي: فََليْسَ عَلَيْكُم جُنَاحٌ في قَصْرِ الصَّلاة.

قال الوَاحِدِيُّ: يُقَال: قَصَرَ فلان صَلاَتهُ، وأقصرها وقَصَّرَها، وكُلُّ جَائِزٌ.

والجمهور على " تَقْصُروا " من " قَصَرَ " ثلاثياً، وقرأ ابن عبَّاس: " تُقْصِروا " من " أقْصر " ، وهما لُغَتَان: قَصَر وأقْصَر، حكاهما الأزْهَرِيُّ، وقرأ الضَّبِيُّ عن رجاله بقراءة ابن عبَّاسٍ، وقرأ الزُّهري: " تُقَصِّروا " مشدِّداً على التَّكْثِيرِ.

قوله: " من الصَّلاة " في " مِنْ " وَجْهَان:

أظهرهُما: إنها تَبْعِيضيَّةٌ، وهذا مَعْنَى قول أبي البقاء، وزعم أنه مَذْهَب سيبويه، وأنَّها صفةٌ لمَحْذُوفٍ، تقديرُه: شيئاً من الصلاة.

والثاني: أنَّها زائدةٌ، وهذا رأيُ الأخْفَش فإنه لا يَشْتَرِطُ في زِيَادتها شيئاً، و " أن يَفْتِنَكم ": مفعُول " خفِْتُم ".

وقرأ عبد الله بن مَسْعُود، وأبَيُّ: " من الصَّلاة أن يفتنكُم " بإسقاط الجُمْلة الشَّرْطيّة، و " أن يفتِنَكُم " على هذه القراءة، مَفْعُولٌ من أجْله، ولغةُ الحِجَاز: " فَتَنَ " ثُلاثياً، وتميم وقَيْس: " أفْتَن " رُبَاعياً.

فصل

لفظ القَصْر مُشْعِرٌ بالتَّخْفِيف؛ لأنه لَيْس صريحاً في أنَّ المُرادَ: هو القَصر في عَددِ الركعَات، أي: في كيْفِيَّة أدائِها، فلا جَرَم حصل في الآيَة قولان:

الأوّل: قَوْل الجُمْهُور أنَّ المراد مِنْه: القَصْر في عدد الرَّكَعَات والقَائِلون بهذا القَوْلِ اختلفُوا على قَوْلَيْن:

الأوّل: أن المراد مِنْهُ: صلاة المُسَافِر؛ وهو أنَّ كُلَّ صَلاَةٍ تكُونُ في الحَضَر أرْبَع رَكَعَاتٍ، فإنها تَصِير في السَّفَرِ رَكْعَتِيْنِ، وعلى هَذَا إنَّما يَدْخُل القَصْر في الرُّبَاعِيَّة خاصَّة.

الثاني: أنَّ المراد: صلاَة الخَوْف في السَّفَر، وهو قَوْل ابن عبَّاسٍ، وجَابِر بن عبد الله، وجماعة، قال ابن عبَّاس: فَرَضَ اللَّه صلاة الحَضَر أرْبَعاً، وصلاة [السَّفر ركعتَيْن]، وصلاة الخَوْفِ رَكْعَةً على لسان نَبِيِّكُم صلى الله عليه وسلم.

القول الثاني: أن المُرَاد من القَصْر: التَّخْفِيف في كيْفِيَّة أداء الرَّكَعَات، وهو أن يُكتفى في الصَّلاة بالإيمَاءِ والإشَارَة بدل الرُّكُوع والسُّجُود، وأن يَجُوز المَشْيُ في الصَّلاة، وأن تجُوز الصلاة عند تلَطُّخ الثَّوْب بالدَّمِ وهو الصَّلاة حال التِحَام القِتَال، [وهو مَرْوِيٌّ عن ابْن عَبَّاسِ وطاووس، واحتَجُّوا: بأنَّ خوف فِتْنَة العَدُوِّ لا تَزُول فيمَا يُؤتَى بِرَكْعَتِيْن على تَمَامِ أوْصَافِهَا، وإنما عَيَّن ذَلِكَ فيما يَشْتَدُّ فيه الخَوْف حَالَ التِحام القِتَال]، وهذا ضَعِيفٌ؛ لأنه يُمْكِن إن يُقَال: إن المُسَافر إذا كانَت الصَّلاة قَلِيلَة الرَّكَعَاتِ، فيمكنه أنْ يَأتِيَ بِهَا على وَجهٍ لا يَكُون خَصْمُه عَالِماً بَِكَوْنِهِ مُصَلِّياً أما إذا كثُرت الرَّكَعَات، طالَت الصَّلاة، ولا يُمْكِنُه أن يَأتِي بها على حين غَفْلَةٍ مع العَدُوِّ، وحَمْل لفظِ القصْر على إسْقَاط [بَعْض] الرَّكَعَاتِ أوْلَى لوجوه: أحدُها: ما رُوِيَ عن يعلى بن أمَيَّة أنَّه قال:

السابقالتالي
2 3 4