الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } * { وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } * { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ } * { أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَٱسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } * { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ } * { وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

قوله (تعالى): { قُلْ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ.... } الآية لما ذكرالوعيد أردفه بشرح كمال رحمته وفضله، قيل: في هذه الآية أنواع من المعاني والبينات حسنة منها إقباله عليهم ونداؤهم ومنها إضافتهم إلى الله إضافة تشريف ومنها الالتفات من التكلم إلى الخطاب، في قوله: { مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } ومنها إضافة الرحمة لأجل أسمائه الحسنى، ومنها إعادة الظاهر بلفظه في قوله: " إنَّ الله " ، ومنها: إبراز الجملة من قوله " إنَّه هُو الغَفُور الرحيم " مؤكدة بـ " إنّ " ، وبالفصل، وبإعادة الصِّفَتَين اللتين تضمنتهما الآية السابقة.

فصل

روى سعيدُ بْنُ جُبَيْر عن ابن عباس أن ناساً من أهل الشرك كانوا قتلوا وأكثروا فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: إن الذين تدعو إليه لحسن إنْ كان لما عَمِلْنَا كفارة فنزلت هذه الآية، وروى عطاء بن رباح عن ابن عباس أنها نزلت في وَحْشِيّ قاتِل حمزة حين بعث إليه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يدعوه إلى الإسلام فأرسل إليه كيف تدعوني إلى دينك وأنت تزعم أنه من قتل أو أشرك أو زَنَايَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ } [الفرقان: 68،69] وأنا قد فعلت ذلك كله فأنزل الله:إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً } [الفرقان: 70] فقال وَحْشِيّ: هذا شرط شديد لَعَلِّي لا أقدر عليه فهل غير ذلك فأنزل الله - عز وجل -:إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [النساء:116] فقال وحشي: أراني بعد في شبهة فلا أدري أيغفر لي أم لا فأنزل الله تعالى: { قُلْ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } قال وحشي: نعَمْ هذا فجاء وأسلم فقال المسلمون: هذا له خاصة أم للمسلمين عامة؟ قال: بل للمسلمين عامة.

وروي عن ابن عمر قال: نزلت هذه الآية في عياش بن أبي رَبيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين كانوا قد أسلموا ثم فتنوا وعذبوا فافْتَتَنُوا وكنا نقول لا يقبل الله من هؤلاء صرفاً ولا عَدْلاً أبداً (قوم) قد أسلموا ثم تركوا دينهم لعذاب عذبوا فيه، فأنزل الله هذه الآيات فكتبها عمر بن الخطاب بيده ثم بعث بها إلى عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وإلى أولئك النفر فأسلموا وهاجروا. واعلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

فصل

دلت هذه الآية على أنه تعالى يعفو عن الكبائر لأن عرف القرآن جارٍ بتخصيص اسم العباد بالمؤمنين قال تعالى:وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } [الفرقان: 63] وقال:عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ } [الإنسان:6] وإذا كان لفظ العبد مذكوراً في معرض التعظيم وجب أن لا يقع إلا على المؤمنين وإذا ثبت هذا ظهر أن قوله: " يَا عِبَادِي " مختص بالمؤمنين، ولأن المؤمن هو الذي يعترف بكونه عبد الله وأما المشركون فإنهم يسمون أنفسهم بعبد اللات وعبد العُزى (وعبد المسيح).

السابقالتالي
2 3 4 5 6