الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } * { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ وَكَذَّبَ بِٱلصِّدْقِ إِذْ جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ } * { وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } * { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { لِيُكَـفِّرَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ٱلَّذِي كَـانُواْ يَعْمَلُونَ } * { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْـلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ } * { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي ٱنتِقَامٍ }

قوله: " إِنَّكَ مَيِّتٌ " أي سَتَمُوتُ " وإنهم مَيِّتُون " أي سيموتون. قال الفراء والكسائي: المَيِّتُ - بالتشديد - من لم يَمُتْ وسَيَمُوت والمَيْتُ - بالتخفيف - مَنْ فَارَقَهُ الروحُ ولذلك لم يخفف ههنا. والعامة على مَيّت وميّتون، وقراءة ابن مُحَيْصِنٍ وابن أبي عبلة واليماني: مَائِتٌ ومَائِتُونَ، وهي صفة مشعرة بحدوثها دون مَيّت، وقد تقدم أَنه لا خلاف بين القراء في تَثْقِيل مثْلِ هذا.

فصل

والمراد أن هؤلاء الأقوام وإن لم يلتفتوا إلى هذه الدلائل القاهرة لأجل الحسد فلا تبال يا محمد بهذا فإنك ستموت وهم أيضاً يموتون " ثُمَّ إنَّكُمْ " تحشرون يوم القيامة وتختصمون عند الله تعالى والعادل الحق بينكم فيوصل إلى كل أحد حقه وحينئذ يتميز المحق من المبطل.

ثم إنه تعالى بين نوعاً آخر من قبائح أفعالهم وهم أنهم يكذبون ويضمون إليه أنهم يكذبون القائل المحق أما كذبهم فهو أنهم أثبتوا لله ولداً وشركاء، وأما تكذيبهم الصادق فلأنهم يكذبون (القائل المحق) محمداً - صلى الله عليه وسلم - بعد قيام الدلائل القاطعة على كونه صادقاً في ادِّعاء النُّبُوة، ثم أردفه بالوعيد فقال: { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ } أي منزل ومقام للكافرين، وهذا استفهام بمعنى التقرير.

ولما ذكر (الله) من افترى على الله الكذب أو كذب بالحق ذكر مقابلهُ وهو الذي جاء بالصِّدْق وصدَّق به، وقوله: { وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ } لفظ مفرد، ومعنا جَمْع لأنه أريد به الجنسُ، وقيل: لأنه قصد به الجزاء وما كان كذلك كثر فيه وقوع: " الذي " موقع " الذين " ولذلك رُوعِيَ معناه فجمع في قوله: { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } كما روعي معنى " مَنْ " في قوله: " لِّلْكَافِرِينَ " فإن " الكافرين " ظاهرةٌ واقعٌ مَوْقع المضمر؛ إذ الأصل مَثْوّى لَهُمْ، وقيل: بل الأصل: والذين جاء بالصدق فحذفت النون تخفيفاً كقوله:كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ } [التوبة:69] وهذا وَهَم؛ إذٍ لو قصد ذلك لجاء بعده ضمير الجمع فكان يقال: والِّذِي جَاءُوا، كقوله:كَٱلَّذِي خَاضُوۤا } [التوبة:69]. ويدل عليه أن نون التثنية إذا حذفت عاد الضمير مثنًّى كقوله:
4300- أَبَنِي كُلَيْبٍ إنَّ عَمَّيَّ اللَّذَا   قَتَلاَ الْمُلُوكَ وَفَكَّكَا الأَغْلاَلاَ
ولَجَاء كقوله:
4301- [و] إنَّ الَّذِي حَانَتْ بِفلْجٍ دَمَاؤُهُمْ   هُمُ القَوْمُ كُلُّ الْقَوْمِ يَا أُمَّ خَالِدِ
وقرأ عبد الله: { والَّذِي جَاءُوا بالصِّدْقِ وَصَدَّقُوا بِهِ }. وقد تقدم تحقيق نظير الآية في أوائل البقرة وغيرها، وقيل: " الذي " صفة لموصوف محذوف بمعنى الجمع تقديره والفريق أو الفوج، ولذلك قال: { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ }. وقيل: المراد بالذي واحد بعينه وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - ولكن لما كان المراد هو وأتباعه اعتبر ذلك فجمع واحد فقال: " أُوْلَـٰئِكَ هُمُ " كقوله:

السابقالتالي
2 3 4