الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } * { أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } * { كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ ٱلْعَـذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلْخِزْيَ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

قوله: { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ } احتج القائلون بحدوث القرآن بهذه الآية من وجوه:

الأول: أنه تعالى وصفه بكونه: " حديثاً " في هذه الآية وفي قوله:فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ } [الطور:34] وفي قوله:أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ } [الواقعة: 81] والحديث لا بدّ وأن يكون حادثاً بل الحديث أقوى في الدلالة على الحدوث من الحادث لأنه (لا) يصح أن يقال: هذا حديث وليس بِعَتيقٍ، وهذا عَتِيقٌ وليس بحَدِيثٍ، ولا يصح أن يقال: هذا عتيقٌ وليس بحادِثٍ فثبت أن الحديث هو الذي يكون قريب العهد بالحدوث. وسمي الحَدِيثُ حديثاً لأنه مؤلَّفٌ من الحروف والكلمات وتلك الحروف والكلمات تَحْدثُ حالاً فحالاً وساعةً فساعةً.

الثاني: قالوا بأنَّه تعالى وصفه بأنه أنْزَلَه والمُنْزَلُ يكون في مَحَلِّ تصرف الغير وما كان كذلك فهو مُحْدَثٌ وحَادِثٌ.

الثالث: قالوا: إن قوله: " أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ " يقتضي أن يكون هو من جنس سائر الأحاديث كما أنّ قوله: " زَيد أفضل الإخوة " (يقتضي أن يكونُ زيدٌ مشاركاً لأولئك الأقوام في صفة الأُخُوَّة) ويكون من جنسهم، فثبت أن القرآن من جنس سائر الأحاديث، ولما كان سائر الأحاديث حادثةً وجب أيضاً أن يكون القرآن حادثاً.

الرابع: قالوا: إنه تعالى وصفه بكونه كتاباً والكتاب مشتق من الكَتِيبَة وهي الاجْتِمَاعُ، وهذا يدل على كونه حادثاً.

قال ابن الخطيب: والجوابُ أن نَحْمل هذا الدليل على الكلام المؤلف من الحروف والألفاظ والعبارات، وذلك الكلام عندنا محدث مخلوق.

فصل

كَوْنُ القرآنِ أحسنَ الحديث إما أن يكون بحسب اللفظ وذلك من وجهين:

الأول: أن يكون ذلك الحسن لأجل الفصاحة والجَزَالَة.

الثاني: أن يكون بحسب النظم في الأسلوب وذلك لأن القرآن ليس من جنس الشعر ولا من جنس الخُطَب ولا من جنس الرِّسالة بل هو نوعٌ يخالفُ الكلَّ مع أن كل (ذِي) طبعٍ سليمٍ يَسْتَلِذُّهُ ويَسْتَطِيبُهُ، وإما أن يكون أحْسَن الْحَدِيث لأجل المعنى. وهو من وجوه:

الأول: أنه كتاب منزه عن التناقض قال تعالى:وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } [النساء:82]، ومثل هذا الكتاب إذا خلا عن التناقض كان ذلك من المُعْجِزَات.

الثاني: اشتماله على الغيوب الكثيرة في الماضي والمُسْتقبل.

الثالث: أن العلوم الموجودة فيه كثيرة جداً. وقد شرح ابن الخطيب منها أقساماً كثيرة.

قوله: " كِتَاباً " فيه وجهان:

أظهرهما: أنه بدل من: " أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ".

والثاني: أنَّه حال منه، قال أبو حيانَ، لمّا نقله عن الزمخشري: وكأنه بناه على أن " أحْسَنَ الْحَدِيثِ " مَعْرفة لإضافته إلى معرفة، وأفعل التفضيل إذا أضيف إلى معرفة فيه خلافٌ، فقيل: إضافتُهُ مَحْضَةٌ وقيل: غيرُ محضة.

قال شهاب الدين: وعلى تقدير كونه نكرةً يحسن أيضاً أيضاً أن يكون حالاً؛ لأن النكرة متى أضيفتْ سَاغَ مجيءُ الحال منها بلا خلاف، والصحيح أن إضافة " أفْعَلَ " محضةٌ وقوله: " مُتَشَابِهاً " نعت " لكِتَابٍ ".

السابقالتالي
2 3 4