الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ } * { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } * { وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } * { هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواْ ٱلنَّارِ } * { قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } * { قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي ٱلنَّارِ } * { وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ ٱلأَشْرَارِ } * { أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ ٱلأَبْصَار } * { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ }

قوله: { هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ } يجوز أن يكون " هذا " مبتدأ، والخبر مقدر، فقدره الزمخشري: " هذا كما ذكر " وقدره أبو علي للمؤمنين، ويجوز أن يكون خبرَ مبتدأ مضمرٍ أي الأمرُ هذا.

فصل

لما وصف ثواب المؤمنين وصف بعده عقاب الظالمين ليكون الوعيد مذكوراً عقيبَ الوعد والترهيب عقيب الترغيب فقال: { هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ } أي مرجع، وهذا في مقابلة قوله: { وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ }. والمراد " بالطاغين ": الكفار، وقال الجبائي: هم أصحاب الكبائر سواء كانوا كفاراً أم لا، واحتج الأولون بقوله: { أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً }؛ ولأن هذا ذمّ مطلق فلا يحمل إلا على الكامل في الطغيان وهو الكافر، واحتج الجبائي بقوله تعالى:إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [العلق: 6-7] فدل على أن الوصف بالطغيان قد يحصل لصاحب الكبيرة، لأن كل من تجاوز حدّ تكاليف الله وتعداها فقد طغى.

قوله: " جَهَنَّمَ " يجوز أن يكون بدلاً من " شَرَّ مَآبٍ " أو منصوبة بإضمار أعني فعل، وقياس قول الزمخشري في: " جَنَّاتِ عَدْنٍ " أي يكون عطف بيان وأن يكون جهنم منصوبة بفعل يتقدمه على الاشتغال أي يَصْلَوْنَ جَهْنَّمَ يَصْلَوْنَها، والمخصوص بالذم محذوف أي " هِيَ ".

قوله: " فَبِئْسَ الْمِهَادُ " هو معنى قوله:لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } [الأعراف:41] شبَّه الله تعالى ما تحتهم من النار بالمهاد الذي يفرشه النائمُ.

قوله: " هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ " في هذا أوجه:

أحدها: أن يكون مبتدأ وخبره: " حميمٌ وغَسَّاقٌ ". وقد تقدم أن اسم الإشارة يكتفي بواحدة في المثنى كقوله:عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ } [البقرة:68] أو يكون المعنى: هذا جامع بين الوصفين ويكون قوله: " فَلْيَذُوقُوهُ " جملة اعتراضية.

الثاني: أن يكون " هذا " منصوباً بمقدر على الاشتغال أي لِيَذُوقُوا هذا، وشبهه الزمخشري بقوله تعالى:وَإِيَّايَ فَٱرْهَبُونِ } [البقرة:40] يعني على الاشتغال والكلام على مثل هذه الفاء قد تقدم. و " حمِيمٌ " على هذا خبر مبتدأ مضمر، أو مبتدأ وخبره مضمر أي مِنْهُ حميمٌ ومنهُ غسَّاقٌ كقوله:
4277- حَتَّى إذَا مَا أَضَاءَ الْبَرْقُ فِي غَلَسٍ   وَغُودِرَ البَقْلُ مَلْوِيٌّ ومَحْصُودُ
أي منه ملويٌّ ومنه محصود.

الثالث: أن يكون " هذا " مبتدأ والخبر محذوف أي هذا كَمَا ذُكِرَ أو هذا للطاغين.

الرابع: أنه خبر مبتدأ مضمر أي الأمر هذا. ثم استأنف أمراً فقال " فَلْيَذُوقُوهُ ".

الخامس: أن يكون مبتدأ خبره فليذوقوه وهو رأي الأخفش. ومنه:
4278- وَقَائِلَةٍ خَوْلاَنُ فَانْكِحْ فَتَاتَهُمْ   
وتقدم تحقيق هذا عند قوله:وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ } [المائدة:38]. وقرأ الأَخَوانِ وحفصٌ غَسَّاق بتشديد السين هنا وفيعَمَّ يَتَسَآءَلُونَ } [النبأ:1] وخَفَّفَهُ الباقون فيهما. فأما المثقل فهو صفة كالجّبَّار والضَّرَّاب مثال مبالغةٍ وذلك أن " فَعَّالاً " في الصفات أغلب منه في الاسم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7