الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ } * { فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } * { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } * { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ } * { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ } * { وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ } * { وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } * { هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ }

(قوله): { وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ } المخصوص بالمدح محذوف أي نعم العبد سليمانُ، وقيل: داود؛ لأنه وصفه بهذا المعنى وقد تقدم حيث قال:دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ص:17]. والأول أظهر لأنه هو المسوق للحديث عنه، وقرىء: بكسر العين وهي الأصل كقوله:
4268-..................   نِعْمَ السَّاعُونَ فِي القَوْمِ في القوم الشُّطُر
فصل

قوله: " إِنَّهُ أَوَّابٌ " يدل على أنه كان نعم العبد لأنه كان أواباً؛ أي كثير الرجوع إلى الله في أكثر أوقاته ومهماته.

قوله: " إِذْ عُرِضَ " في ناصبه أوجهٌ:

أحدها: " نِعْمَ ": وهو أضعفها؛ لأنه لا يتقيد مدحه بوَقْتٍ، (و) لِعدم تصرف " نِعْمَ ". قال ابن الخطيب: التقدير نعم العبد إذْ كَانَ من أعماله أنَّه فَعَلَ كَذَا.

الثاني: " أواب " وفيه تقييد وصفه بذلك بهذا الوقت.

والثالث: اذكر مقدّراً، وهو أسلمها.

والعَشِيُّ من العصر إلى آخر النهار. والصَّافِنَاتُ جمع صَافن، وفيه خلاف بين أهل اللغة فقال الزجاج: هو الذي يقف على إحدى يديه ويقف على طرف سنبكه، وقد يفعل ذلك بإحدى رجليه قال وعي علامة الفراهة وأنشد:
4269- أَلِفَ الصُّفُونَ فَلاَ يَزَالُ كَأَنَّهُ   مِمّا يَقُومُ عَلَى الثَّلاثِ كَسِيرا
وقيل: هو الذي يجمع بين يديه ويسويهما، وأما الذي يقف على سنبكه فاسمه المُخِيم، قاله أبو عبيدة.

وقيل: هو القائم مطلقاً أي سواء كان من الخيل، أو من غيرها، قاله القُتَبِيّ. واستدل (بحديث) وبقوله عليه (الصلاة و) السلام " مَنْ سَرَّهُ أنْ يَقُومَ النَّاسُ لَهُ صُفُوناً فَلْيَتَبوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ " أي يديمون له القيام. وحكاه قطرب أيضاً. وجاء في الحديث " قُمْنَا صُفُوناً " أي صافِّين أقدامَنا، وقيل: هو القيام مطلقاً سواء وقفت على طرف سنبك أم لا، قال الفراء: على هذا رأيت أشعارَ العرب، وقال النابغة:
4270- لَنَا قُبَّةٌ مَضْرُوبَةٌ بِفنَائِهَا   عِتَاقُ المَهَارَى والجِيَادُ الصَّوَافِنُ
والجياد إما من الجَوْدَة، يقال: جَادَ الفرسُ يَجودُ جَوْدَةً وجُودَةً بالفتح والضم فهو جَوَاد، للذكر والأنثى. والجمع جِيَادٌ وأجْوَادٌ، وأَجاوِيدُ، وقيل: جمع لِجَوْد بالفتح كثَوْبٍ وثِيَابٍ. وقيل: جمع جَيِّد. وإِما من الجِيدِ وهو العُنُق، والمعنى: طويلة الأعناق الأجياد. وهو دال على فراهَتِها.

قوله: " حُبَّ الخَيْرِ " فيه أوجه:

أحدها: هو مفعول أحببت لأنه بمعنى آثرت، و " عن " على هذا بمعنى " عَلَى " أي على ذكر ربِّي، لأنه روي أن عرض الخيل حتى شغلته عن صلاة العصر أول الوقت حتى غَربت الشَّمْسُ.

وقال أبو حيان - وكأنه منقول عن الفراء - إنّه ضمن " أَحْبَبْتُ " معنى آثرتُ، حيث نصب " حب الخير " مفعولاً (به). وفيه نظر؛ لأنه متعد بنفسه وإنما يحتاج إلى التضمين وإن لم يكن مُتَعَدِّياً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9