الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } * { وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } * { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ } * { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } * { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ } * { إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } * { قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } * { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ } * { يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ }

قوله: { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ } فقوله: " يسبحن " جملة حالية من " الجبال " وأتى بها هنا فعلاً مضارعاً دون اسم الفاعل فلم يقل مسبِّحات، دلالة على التجدد والحدوث شيئاً بعد شيء كقول الأعشى:
4261- لَعَمْرِي لَقَدْ لاَحَتْ عُيُونٌ كَثِيرَةٌ   إلَى ضَوْءِ نَارٍ فِي بِقَاعٍ تَحَرَّقُ
أي تحرق شيئاً فشيئاً، ولو قال: مُحْرِقة لم يدل على هذا المعنى.

فصل

المعنى يسبحن بتسبيحه. (و) في كيفية تسبيح الجبال وجوه:

الأول: أن الله تعالى يخلق في جسم الجبل حياة وعقلاٌ وقُدرة ونُطقاً، فحينئذ يصير الجبل مسبحاً لله تعالى.

الثاني: قال القفال: إن داود - عليه (الصلاة و) السلام - أوتي من شدة الصوت وحسنة ما كان له في الجبال دويٌّ حسن وما يصغي الطير (إليه) لحسنه فيكون دويّ الجبال وتصويت الطير معه وإصغاؤها إليه تسبيحاً، وروى محمد بن إسحاق أن الله تعالى لم يعط أحداً من خلقه مثل صوت داود حتى إنه كان إذا قرأ الزبور دنَتْ منه الوحوش حتى تؤخَذَ بأعْنَاقِهَا.

الثالث: أن الله تعالى سخر الجبال حتى إنّها كانت تسير إلى حيث يريده داود فجعل ذلك السير تسبيحاً لأنه يدل على كمال قدرة الله وحكمته.

قوله: { بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } قال الكلبي غَدْوةً وعَشِيًّا والإشراق هو أن تشرق الشمسُ ويتناهى ضوؤها قال الزجاج: يقال شَرقَت الشمس (إذا طلعت، وأشرقت إذا أضاءت، وقيل: هما بمعنًى. والأول أكثر. تقول العرب شرقت الشمس) والماء يُشرق، وفسره ابن عباس بصلاة الضحى " قال ابن عباس كنت أمر بهذه الآية لا أدري ما هي حتى حدثَتْنِي أمّ هانِىء بنت أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فدعا بوَضُوء فتوضأ ثمّ صلّى الضُّحَى وقال يا أم هانىء: هذه صلاة الإشراق " وروى طاوس عن ابن عباس قال: هل تجدون ذكرَ صلاةِ الضحى في القرآن؟ قالوا: لا؛ فقرأ: { إنا سَخَّرْنَا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق } قال: وكانت صلاة يصليها داود عليه السلام وقال لم يزل في نفس شيء من صلاة الضحى حتى طلبتها فوجدتها في قوله تعالى: { يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ }.

قوله: { وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً } العامة على نصبها عَطَفَ مفعولاً على مفعول، وحالاً على حال كقولك: ضربت زيداً مكتوفاً وعمراً مطلقاً، وأتى بالحال اسماً لأنه لم يقصد أن الفعل وقع شيئاً فشيئاً لأن حشرها دفعة واحدة وأدلُّ على القدرة والحاشر الله تعالى.

وقرأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ والجَحْدري برفعهما جعلاها مستقلة من مبتدأ وخبر.

والمعنى وسخرنا الطير محشورةً، قال ابن عباس: كان داود إذا سبح جاءته الجبال واجتمعت إليه الطير فسبحت معه واجتماعها إليه هو حشرها فيكون على هذا التقدير حاشرها هو الله تعالى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد