الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ } * { وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلأَحْزَابُ } * { إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ } * { وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } * { وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } * { ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ }

ثم قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - معزياً له: { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ } قال ابن عباس ومحمد بن كعب: ذو البِناء المحكم، وقيل: أراد ذو الملك الشديد الثابت، وقال القتيبيّ: تقول العرب: هم في عِزٍّ ثابت الأوتاد بريدون أنه دائم شديد، وقال الضحاك: ذو القوة البطش، وقال عطية: ذو الجنود والجموع الكثيرة، وسميت الأجناد أوتاداً لكثرة المضارب التي كانوا يضربونها ويوتدونها في أسفارهم. وهي رواية عطية العوفي عن ابن عباس يعني أنهم كانوا يقوون أمره ويشدون ملكه كما يقوي الوتد الشيء. وهذه استعارة بليغة حيث شبه الملك ببيت الشَّعر، وبيت الشعر لا يثبت إلا بالأوتاد والأطْنَاب كما قال الأفوه الأودي:
4253- والْبَيْتُ لاَ يُبْتَنَى إلاَّ عَلَى عُمُدٍ   وَلاَ عِمَادَ إذَا لَمْ تُرْسَ أَوْتَادُ
فاستعير لثبات العز والملك واستقرار الأمر كقول الأسود بن يعفر:
4254- وَلَقَدْ غَنُوا فِيهَا بِأَنْعَمِ عِيشةٍ   فِي ظِلّ مُلْكٍ ثَابِتِ الأَوْتَادِ
والأوتاد جمع وتد فيه لغات: وَتِدٌ بفتح الواو وكسر التاء وهي الفصحى، ووتَدَ بفتحتين، وَوَدٌّ بإدغام التاء في الدال قال:
4255- تُخْرِجُ الْوَدَّ إذَا ما أَشْجذَتْ   وَتُوَارِيه إذَا تَشْتَكِرْ
ووت بإبدال (الدال) تاء، ثم إدغام التاء فيها، وهذا شاذ؛ لأن الأصل إبدال الأول للثاني لا العكس، وقد تقدم نحوٌ من هذا في آل عمران عند قوله:فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ } [آل عمران:185].

ويقال: وَتِدٌ (وَاتِد) أي قويّ ثابتٌ وهو مثلُ مجازِ قولهم: شُغل شاغِل.

أنشد الأصمعي:
4256- لاَقَتْ (عَلَى) الْمَاءِ جُذَيْلاً واتدا   
وَلَمْ يَكُنْ يُخْلِفُهَا الْمَوَاعِدَا   
وقيل: الأوتاد هنا حقيقة لا استعارة، (و) قال الكبي ومقاتل: الأوتاد جمع الوَتدِ وكان له أوتاد يعذب الناس عليها فكان إذا غضب على أَحَد مده مستلقياً بين أربعة أوتاد تشدّ كل يد ولك رجل منه إلى سارية ويتركه كذلك في الهواء بين السماء والأرض حتى يموت. وقال مجاهد ومقاتل بن حيَّان كان يمد الرجل مستلقياً على الأرض ثم يشد يديه ورجليه ورأسه على الأرض بالأوتاد. وقال السدي: كان يمد الرجل ويشده بالأوتاد ويرسل عليه العقارِبَ والحيَّاتِ. وقال قتادة وعطاء: كانت له أوتاد وأرسان وملاعب يلعب عليها بين يديه، ثم قال: { وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ } تقدم الخلاف في الأيكة في سورة الشعراء.

قوله: { أُوْلَـٰئِكَ ٱلأَحْزَابُ } يجوز أن تكون مستأنفةً لا محل لها (من الإعراب) وأن تكون خبراً، والمبتدأ قال أبو البقاء (من) قوله: " وعاد " وأن يكون من " ثمود " وأن يكون من قوله " وقوم لوط ".

قال شهاب الدين: الظاهر عطف (عاد) وما بعدها على " قوم نوح " واستئناف الجملة بعده، وكان يسوغ على ما قاله أبو البقاء أن يكون المبتدأ وحده { وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ }.

السابقالتالي
2 3 4 5