الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } * { لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }

قوله: { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } قال الكلبي: إن كفار مكة قالوا: إن محمداً شاعر، وما يقوله شِعر فأنزل الله تكذيباً لهم وما علمناه الشعر وما ينبغي له أي ما يتسهل له ذلك وما كان يتّزن له بيتُ شِعْرٍ حتى إذا تمثل ببيت شعر جرى على لسانه منكسراً. روى الحسن أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يتمثل بهذا البيت:
كَفَى بالإسْلاَمِ وَالشَّيْبُ لِلْمَرْءِ نَاهِياً   
فقال أبو بكر: يا نبي الله إنما قال الشاعر: كَفَى الشَّيْبُ وَالإسْلاَمُ للْمَرْءِ ناهياً. فقال عمر: أشهد أنك رسول بقول الله - عزّ وجلّ -: { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } وعن أبي شريح قال: قلت لعائشةَ: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتمثل من الشعر قالت: كان يتمثل من شعر عبد الله بن رواحة قالت: وربما قال:
4185- وَيَأتِيْكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَود   
وفي رواية (قالت): كان الشعر أبغضَ الحديث إليه، قالت: ولم يتمثل بشيء من الشعر إلى ببيت أخي بني قيس طرفة:
4186- سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً   وَيَأتِيكَ بالأَخْبَار مِنْ لَمْ تُزَوّدِ
فجعل يقول: ويأتيك من لم تزود بالأخبار. فقال أبو بكر: ليس هكذا يا رسول الله فقال: إني لست بشاعر ولا ينبغي لي. وقيل: معناه ما كان يتأتى له. قاله ابن الخطيب. وفيه وجه أحسن من ذلك وهو أن يحمل ما ينبغي له على مفهومه الظاهر وهو أن الشعر ما كان يليق به ولا يصلح له لأن الشعر يدعو إلى تغيير المعنى لمراعاة اللفظ والوزن والشارع يكون اللفظ منه تبعاً للمعنى والشاعر يكون المعنى منه تبعاً للفظ لأنه يقصد لفظاً به يصح وزن الشعر (أ) و قافيته فيحتاج إلى التخيل لمعنى يأتي به لأجلِ ذلك اللفظ. وعلى هذا فنقول: الشعر هُو الكلام الموزون الذي قصد إلى وزنه قصداً أولياً وأما من يقصد المعنى فيصدر موزوناً لا يكون شاعراً ألا ترى أن قوله تعالى:لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [آل عمران:92] ليس بشعر والشاعر إذا صدر منه هذا الكلام فيه متحركات وساكنات بعدد ما في الآية تقطعيه بفاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن يكون شعراً لأنه قصد الإتيان بألفاظٍ حروفها متحركة وساكنة كذلك. والمعنى تبعه. والحكيم قصد المعنى فجاء على تلك الألفاظ وعلى هذا يحصل الجواب عن قول من يقول: إنَّ النبي ذكر بيتَ شعرٍ وهو قوله:
4187- أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِب   أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِب
أو بيتين لأنا نقول: ذلك ليس بشعر لعدم قصده إلى الوزن والقافية وعلى هذا لو صدر من النبي - عليه (الصلاة و) السلام - كلام كثيرٌ موزونٌ مُقَفًّى لا يكون شعراً لعدم قصده اللفظ قصداً أوليّاً، ويؤيد ما ذكرنا أنك إذا تتبعت كلام الناس في الأسواق تجد فيه ما يكون موزوناً واقعاً في بحر من بحور الشعر ولا يسمى المتكلم به شاعراً ولا الكلام شعراً لفقد القصد إلى اللفظ أولاً.

السابقالتالي
2