الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } * { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ } * { إِنِّيۤ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ } * { قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ } * { بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ }

قوله: { وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ } في تعلقه بما قبله وجهان:

أحدهما: أنه بيان لكونهم أتوا بالبلاغ المبين حيث أمن بهم الرجل الساعي. وعلى هذا فقوله: { مِنْ أَقْصَا المَدِينَةِ } فيه بلاغة باهرة لأنه لما جاء من أقصى المدينة رجل و(هو) قد آمن دل على (أن) إنذارهم وإبلاغهم بلغ إلى أقصى المدينة.

والثاني: أن ضرب المثل لما كان لتسلية قلب محمد - عليه (الصلاة و) السلام - ذكر بعد الفراغ من ذكر الرسل سعي المؤمنين في تصديق أنبيائهم، وصبرهم على ما أوذوا، ووصول الجزاء الأوفر إليهم ليكون ذلك تسليةً لقلب أصحاب محمد - عليه الصلاة والسلام -.

قوله: " رجل يسعى " في تنكير " الرجل " مع أنه كان معروفاً معلوماً عند الله فائدتان:

الأولى: أن يكون تعظيماً (لشأنه) أي رجل كامل في الرجولية.

الثانية: أن يكون مفيداً ليظهر من جانب المرسلين أمر رجل من الرجال لا معرفة لهم به، فلا يقال: إنهم تواطئوا. والرجل هو حبيب النَّجار كان ينحت الأصنام. وقال السدي: كان قصاراً. وقال وهب: كان يعمل الحرير وكان سقياً قد أسرع فيه الجُذَامُ. وكان منزله عند أقصى باب المدينة وكان مؤمناً آمن بمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - قبل وجوده حين صار من العلماء بكتاب الله، ورأى فيه نعت محمد وبعثته وقوله: " يسعى " تبصيرٌ للمسلمين وهداية لهم ليبذلوا جَهْدَهم في النُّصْحِ.

قوله: { قَالَ يَٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } تقدم الكلام في فائدة قوله: " يا قوم " عند قوله موسى:يَٰقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم } [البقرة:54].

فإن قيل: هذا مثل مؤمن آل فرعونوَقَالَ ٱلَّذِيۤ ءَامَنَ يَٰقَوْمِ ٱتَّبِعُونِ } [غافر: 38] وهذا قال: " اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ " فما الفرق؟.

فالجواب: هذا الرجل جاءهم وفي أول مجيئه نصحهم ولم يعلموا سيرته فقال اتبعوا هؤلاء الذين أظهروا لكم الدليل وأوضحوا لكم السَّبِيلَ وأما مؤمن آل فرعون فكان فيهم ونصحهم مراراً فقال: " اتَّبِعُونِي في الإيمان بمُوسى وهَارُونَ - عليهما (الصلاة و) السلام - واعلموا أنه لو لم يكن خيراً لما اخترته لنفسي وأنتم تعلمون أني اخترته " ولم يكن للرجل الذي جاء من أقصى المدينة أن يقول: أنتم تعلمون اتّباعي لهم. واعلم أنه جمع بين إظهار النصيحة وإظهار إيمانه فقوله: " اتبعوا " نصيحة وقوله: " المرسلين " إظهار إيمانه وقدم إظهار النصيحة على إظهار الإيمان لأنه كان ساعياً في النصيحة وأما الإيمان فكان قد آمن من قبل وقوله: " يسعى " على إرادته النصح.

قوله: { مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً } بدل من " المرسلين " بإعادة العامل إلا أن أبا حيان قال: النحاة لا يقولون ذلك إلا إذا كان العامل حرف (جر) وإلا فلا يسمونه بدلاً بل تابعاً وكأنه يريد التوكيد اللفظيّ بالنسبة إلى العامل.

السابقالتالي
2 3 4 5