الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } * { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } * { وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ }

قوله: { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ } لما قال تعالى:وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } [فاطر:5] يمنع العاقل من الاغترار وقال: { ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّا } ، ولا تسمعوا قوله. وقوله: " فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا " أي اعملوا ما يسوؤه وهو العمل الصالح. ثم قال: { إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ } أي أشياعه { لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ }. (و) في الآية إشارة إلى معنى لطيف وهو أن من يكون له عدو فإما أنْ يُعَادِيَه مجازاةً له وإما أن يُرْضيه فلما قال تعالى: { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ } أمرهم بالعداوة وأَشَارَ إلى أن الطريق ليس إلا هذا. وأما الإرضاء فلا فائدة فيه لأنكم إنْ أَرْضَيْتمُوهُ واتَّبعتُمُوهُ فهو لا يؤدِّيكم إلا إلى السعير.

واعلم أن من علم أن له عدواً لا مهرب له منه وجزم بذلك فإنه يقف له ويصير معه على قتاله إلى أن يظفر به وكذلك الشيطان لا يقدر الإنسان (أن) يهرب منه فإنه يقف معه ولا يزال ثابتاً على الجادّة والاتِّكال على العبادة. ثم بين تعالى ما حال حزبه وحال حزب الله وهو قوله: " الَّذِينَ كَفَرُوا " يجوز رفعه ونصبه وجره فرفعه من وجهين:

أظهرهما: أن يكون مبتدأ والجملة بعده خبره. والأحسن أن يكون " لهم " هو الخبر و " عَذَابٌ " فاعله.

الثاني: أنه بدل من واو " لِيَكُونُوا ". ونصبه من أوجه: البدل من " حِزْبَهُ " أو النعت له أو إضمار فعل " أَذُمُّ " ونحوه، وجره من وجهين: النعت أو البدلية من " أصْحَابِ السَّعِيرِ " وأحسن الوجوه الأول لمطابقة التقسيم. واللام في " لِيَكُونُوا " إما للعلة على المجاز من إقامة السَّبَب مَقَام المُسَبب وإما الصَّيْرُورة ثم قال: { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } وهذا حال حزب الشيطان { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } فالإيمان في مقابلته المغفرة فلا يُؤَبَّد مؤمنٌ في النار والعمل الصالح في مقابلته " الأجر الكبير ".

قوله: { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ } " مَنْ " موصول مبتدأ وما بعده صلته والخبر محذوف فقدره الكسائِيُّ { تذهب نفسك عليهم حَسَرَاتٍ } لدلالة: " فَلاَ تَذْهَب " عليه. وقدره الزجاج: " وأَضَلَّهُ اللَّهُ كَمَنْ هَدَاهُ " وقدره غيرهما كمن لم يُزَيَّنْ له. وهو أحسن، لموافقته لفظاً ومعنى. ونظيره " أفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ (هُوَ أعْمَى) "أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ } [الرعد:19]. والعامة على " زُيِّنَ " مبنياً للمفعول " سُوءُ " رفع وعُبَيْدُ بْنُ عَمَيْر زَيَّنَ مبنياً للفاعل وهو الله " سُوءَ " بالنصب به. وعنه " أَسْوأَ " بصيغة التفضيل منصوباً. وطلحةُ " أَمَنْ " بغير فاء.

السابقالتالي
2 3