الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } * { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } * { ٱسْتِكْبَاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ ٱلأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً }

قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ } أي خلف بعضكم بضعاً. وقيل: جعلكم أمة واحدة خلت من قبلها ما ينبغي أن يعتبر به فجعلكم خلائف في الأرض أي خليفة بعد خليفة تعلمون حال الماضين وترضون بحالهم، فمن كفر بعد هذا كله " فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ " أي وبالُ كُفْرِهِ { وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً } أي غضباً لأن الكافر (و) السابق كان ممقُوتاً { وَلاَ يَزِيدُ ٱلكَافِرينَ كُفْرُهُمْ إلاَّ خَسَاراً } أي الكفر لا ينفع عند الله حيث لاي يزيد إلا المقت ولا ينفهم في أنفسهم حيث لا يفيدهم إلا الخسار لأن العمر كرأسِ (مالٍ) من اشترى به رضى اللَّهَ رِبحَ ومن اشترى به سخطه خَسِرَ.

قوله: " أَرَأَيْتُم " فيها وجهان:

أحدهما: أنها ألف استفهام على بابها ولم تتضمن هذه الكملة معنى أَخْبِرُونِي بل هو استفهام حقيقي وقوله: " أَرُونِي " أمر تعجيز.

والثاني: أَنَّ الاستفهام غير مراد وأنها ضُمِّنَتْ معنى أَخْبِرُونِي. فعلى هذا يتعدى لاثنين:

أحدهم: شُرَكَاءَكُمْ.

والثاني: الجملة الاستفهامية من قوله " مَاذَا خَلَقُوا ". وَ " أَرُوِنِي " يحتمل أن تكون جملة اعتراضية.

والثاني: أن تكون المسألة من باب الإعمال فَإنَّ " أَرَأَيْتُمْ " يطلب " مَاذَا خَلَقُوا " مفعولاً ثانياً و " أَرُونِي " أيضاً يطلبه معلقاً له وتكون المسألة من باب إعمال الثاني على مُخْتَارِ البَصْرِيِّين، و " أَرُونِي " هنا بصريَّة تعدت للثاني بهمزة النقل والبصرية قبل النقل تعلق بالاستفهام كقولهم: " أَمَا تَرَى أيّ بَرْق هَهُنا " وقد تقدم الكلام على (أن) " أَرأَيْتُمْ " هذه في الأنعام. وقال ابن عطية هنا: " أرأيتم " ينزل عند سيبويه منزلة أخبروني ولذلك لا يحتاج إلى مفعولين. وهو غلط بل يحتاج كما تقدم تقريره. وجعل الزمخشري الجملة من قوله " أَرُونِي " بدلاً من قوله: " أَرَأيتُمْ " قال: لأن معنى أرأيتم أخبروني. وردَّهُ أبو حيان بأن البدل إذا دخلت عليه أداة الاستفهام (لا) يلزم إعادتها في المبدل ولم تعد هنا وأيضاً فإبدال جملة من جملة لم يعهد في لسانهم. قال شهاب الدين: والجواب عن الأول أن الاستفهام فيه غير مراد قطعاً فلم تعد أداته، وأما قوله: لم يوجد في لسانهم فقد وجد ومنه:
4163- مَتَى تَأتِنَا تُلْمِمْ بِنَا...   ..................
(و):
4416- إنَّ عَلَيَّ اللَّهَ أنْ تُبَايِعَا   تُؤْخَذَ كَرْهاً وَتُجِيبَ طَائِعاً
وقد نص النحويون على أنه متى كانت الجملة في معنى الأول ومبينة لها أبدلت منها.

فصل

هذه الآية تقرير للتوحيد وإبطال للإشراك والمعنى جَعَلْتُمُوهُمْ شُرَكَائِي بزعمكم يعني الأصنام " أرُوني " أخبروني { ماذا خلقوا من الأرض } فقال: " شركاءكم " فأضافهم إليهم من حيث إنَّ الأصنامَ في الحقيقة لم تكن شركاء لله وإنما هم الذين جعلوها شركاء فقال شركاءكم أي الشركاء بجعلكم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6