الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } * { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } * { وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } * { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } * { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } * { وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ } * { وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ } * { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي ٱلْقُبُورِ } * { إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ }

قوله: { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ } (أي) إلى فضل الله. والفقير هو المحتاج { وَاللَّهُ هُوَ الغَنِيُّ } عن خلقه " الحَمِيدُ " أي المحمود في إحسانه إليهم. واعلم أنه لما كثر الدعاء من النبي - عليه السلام - والإصرار من الكفار قالوا إن اللَّهَ لعله محتاج إلى عبادتنا حتى يأمرنا بها أمراً بالغاً ويهددنا على تركها مبالغاً فقال الله. { أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ } فلا يأمركم بالعبادة لاحتياجه إليكم وإنما هو لإشفاقه عليكم.

فصل

التعريف في الخبر قليل والأكثر أن يكون الخبر نكرة والمبتدأ معرفة لأن المخبر لا يخبر في الأكثر إلا بأمر يعلمه المخبر أو في ظن المتكلم أن السامع لا علم له به ثم إنَّ المبتدأ لا بدّ وأن يكون معلوماً عند السامع حتى يقول له: أيها السامع الأمر الذي تعرفه ثَبَتَ له قيامٌ لا علم عندك به فإن الخبرَ معلوم عند السامع والمبتدأ كذلك ويقع الخبر تنبيهاً لا تفهيماً فإنه يحسن تعريف الخبر كقول القائل: " اللَّهُ رَبُّنَا ومُحَمَّدٌ نَبِيُّنَا " حيث عرف كون الله ربنا وكون محمد نبينا وههنا لما كان كون الناس فقراء أمراً ظاهراً لا يخفى على أحد قال: " أَنْتُم الفُقراء " وقوله: " إلى الله " إعلام بأنه لا افتقارَ إلا إليه ولا اتِّكالَ إلا عليه. وهذا يوجب عبادته لكونه مُفْتَقَراً إليه وعدم عبادة غيره لعدم الافتقار إلى غيره ثم قال: { وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ } أي هو مع استغنائه يدعوكم كل الدعاء وأنتم مع احتياجكم لا تجيبونه.

قوله: { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } وهذا بيان لِغناه وفيه بلاغة كاملة لأن قوله تعالى: { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ } أي ليس إذهابكم موقوفاً إلا على مشيئته بخلاف الشيء المحتاج إليه فإن المحتاج إلى الشيء لا يقال فيه: إنْ شَاءَ فُلاَنٌ هَدَمَ دَارَهُ، وإنما يقال: لَوْلاَ حَاجَةُ السُّكْنَى على الدار لِبعْتُها، ثم إنه تعالى زاد على بيان الاستغناء بقوله: { وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } يعني إن كان يتوهم متوهم أنَّ هذا الملك كمال وعظمة فلو أذهبه لزال ملكه وعظمته فهو قادر أن يخلق خلقاً جديداً أحسن من هذا (وأجْمَلَ).

{ وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } أي الإذهاب والإتيان. واعمل أن لفظة " العزيز " استعمله الله تارة في القائم بنفسه فقال في حق نفسه:وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } [الأحزاب:25] وقال في هذه السورة: " عَزِيزٌ غَفُورٌ " واستعملة تارة في القائم بغيره فقال: { وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } وقال:عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } [التوبة:128] فهل هما بمعنى واحد أو بمعنيين؟ فنقول: العزيز في اللغة هو الغالب والفعل إذا كان لا يطيقه شخصٌ يقال: هو مغلوب بالنسبة إلى ذلك الفعل فقوله: { وما ذلك على الله بعزيز } أي ذلك الفِعل لا يغلبه بل هو هَيِّنٌ على الله وقوله:

السابقالتالي
2 3 4 5